و " مَرَّ السَّحَابِ " : مصدر تشبيهي، قوله :" صُنْعَ اللَّهِ " مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة عامله مضمر، أي : صنع الله ذلك صنعاً، ثم أضيف بعد حذف عامله، وجعله الزمخشري مؤكداً للعامل في ﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ﴾ [النمل : ٨٧] وقدره : ويوم ينفخ وكان كيت وكيت أثاب الله المحسنين وعاقب المسيئين في كلام طويل جرياً على مذهبه، وقيل منصوب على الإغراء، أي : انظروا صنع الله وعليكم به.
والإتقان : الإتيان بالشيء على أكمل حالاته، وهو من قولهم : تقن أرضه إذا ساق إليها الماء الخاثر بالطين لتصلح للزراعة، وأرض تقنة، والتقن فعل ذلك بها، والتقن أيضاً : ما رمي به في الغدير من ذلك أو الأرض، ومعنى ﴿أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ أي : أحكمه.
﴿إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ قرأ
٢٠٧
ابن كثير وأبو عمرو وهشام بالغيبة جرياً على قوله " وَكُلٌّ أَتَوْهُ "، والباقون بالخطاب جرياً على قوله " وتَرَى "، لأن المراد النبي - ﷺ - وأمته.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٢٠٦
قوله :﴿مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا﴾ في " خَيْر " وجهان : أحدهما : أنها للتفصيل باعتبار زعمهم، أو على حذف مضاف، أي : خير من قدرها واستحقاقها " مِنْهَا " في محل نصب، وألا يكون للتفصيل، فيكون (مِنْهَا) في موضع رفع صفة لها.
قوله ﴿وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ قرأ أهل الكوفة " مِنْ فَزَع " بالتنوين، " يَوْمَئِذٍ " بفتح الميم، وقرأ الآخرون بالإضافة، لأنه أعم فإنه يقتضي الأمن من جمع فزع ذلك اليوم وبالتنوين كأنه فزع دون فزع، ويفتح أهل المدينة الميم من " يومَئذ " وتقدم في هود فتح " يَوْم " وجره و " إِذْ " مضافة للجملة حذفت وعوض عنها التنوين، والأحسن أن تقدر يومئذ جاء بالحسنة، وقيل : يومئذ ترى الجبال، وقيل : يومئذ ينفخ في الصور، والأولى أولى، لقرب ما قدر منه.
فصل لما تكلم في علامات القيامة شرح - بعد ذلك - أحوال المكلفين بعد قيام القيامة والمكلف إما أن يكوم مطيعاً أو عاصيا، أما (المطيع، فهو) الذي جاء بالحسنة وهي كلمة الإخلاص قال أبو معشر يحلف ما ساتثنى : إنّ الحسنة لا إله إلا الله وقيل : كل طاعة.
﴿فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾، قال ابن عباس : يعني له من تلك الحسنة خير يوم القيامة، وهو : الأمن من العذاب، أما أن يكون له شيء خير من الإيمان، فإنه ليس شيء
٢٠٨
خيراً من قوله لا إله إلا الله، وقيل : خير منها يعني رضوان الله، قال تعالى :﴿وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [التوبة : ٧٢]، وقال محمد بن كعب وعبد الرحمن بن زيد : خير منها يعني الأضعاف، أعطاه الله بالواحد عشراً، فصاعداً، وهذا حسن، لأن للأضعاف خصائص وقيل : إن الثواب خير من العمل، لأن الثواب دائم والعمل منقض، ولأن العمل فعل العبد، والثواب فعل الله.
﴿وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ أي : آمنون من كل فزع، فإن قيل : أليس قال - في أول الآية - ﴿فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضَ﴾ ؟ [النمل : ٨٧] فكيف نفى الفزع ههنا ؟ فالجواب : أن الفزع الأول ما لا يخلو منه أحد عند الإحساس بشدة تقع أو هول يفجأ، وإن كان المحسن يأمن وصول ذلك الضرر إليه، وأما الثاني : فهو الخوف من العذاب.
وأما من قرأ " مِنْ فَزَع " بالتنوين، فهو محتمل معنيين : من فزع واحد، وهو خوف العذاب، وإما ما يلحق الإنسان من الرعب عند مشاهدته، فلا ينفك عند أحد.
فإن قيل : الحسنة لفظة مفردة معرفة، وقد ثبت أنها لا تفيد العموم، بل يكفي في تحققها حصول فرد من أفرادها، وإذا كان كذلك فلنحملها على أكمل الحسنات شأناً، وأعلاها درجة وهو الإيمان، ولهذا قال ابن عباس : الحسنة كلمة الشهادة، وهذا يوجب القطع بأنه لا يعاقب أهل الإيمان، فالجواب : ذلك الخير هو أن لا يكون عقابه مخلداً.
و " أمن " يتعدى بالجار وبنفسه، كقوله تعالى :﴿أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللَّهِ﴾ [الأعراف : ٩٩].
قوله :﴿وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ يعني الإشراك ﴿فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ﴾، يجوز أن يكون ذكر الوجه إيذاناً بأنهم يكبون على وجوههم فيها منكبين، يقال : كببت الرجل إذا ألقيته على وجهه فأكب وانكب.
قوله :" هَلْ تُجْزُوْنَ " على إضمار قول، وهذا القول حال مما قبله، أي كُبَّتْ وجوههم مقولاً لهم ذلك القول.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٢٠٨


الصفحة التالية
Icon