و " مِنْ أَهْلِهَا " صفة لـ " غَفْلَةٍ "، أي : صادرة من أهلها.
فصل اختلفوا في السبب الذي لأجله دخل موسى المدينة على حين غفلة من أهلها، فقال السُّدِّي : إن موسى كان يسمى ابن فرعون، فكان يركب في مراكب فرعون، ويلبس مثل ملابسه، فركب فرعون يوماً وليس عنده موسى، فلما جاء موسى قيل له : إن فرعون قد ركب، فركب في أثره، فأدركه المقيل بأرض منف، فدخلها نصف النهار وليس في طرقها أحدن فذلك ﴿عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا﴾.
وقال ابن إسحاق : كان لموسى شيعة من بني إسرائيل يسمعون منه ويقتدون به، فلما عرف ما هو عليه من الحق فارق فرعون وقومه وخالفهم في دينهم حتى ذكر ذلك منه، وأخافوه وخافهم، فكان لا يدخل قرية إلا خائفاً مستخفياً.
وقال ابن زيد : إِنَّ موسى ضرب رأس فرعون ونتف لحيته، فأراد فرعون قتله، فقالت امرأته : هو صغير، جِىءْ بجمرة فأخذها فطرحها في فيه، فبها عقد لسانه، فقال فرعون : لا أقتله، ولكن أخرجوه عن الدار والبلد، فأخرج ولم يدخل عليها حتى كبر، فدخل ﴿عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ﴾.
قوله " يَقْتتلانِ " صفة لـ " رَجُلَيْنِ "، وقال ابن عطية : حالٌ منهما، وسيبويه - وإن كان جوَّزها من النكرة مطلقاً - إلاَّ أَنَّ الأكثر يشترطون فيها ما يُسوِّغُ الابتداء بها.
٢٢٥
وقرأ نعيمُ بن ميسرة " يقتلان " بالإدغام، نقل فتحة التاء الأولى إلى القاف وأدغم.
قوله ﴿هَـذَا مِن شِيعَتِهِ﴾ مبتدأ وخبر في موضع الصفة لـ " رَجُلَيْنِ "، أو الحال من الضمير في " يَقْتتلانِ " وهو بعيدٌ لعدمِ انتِقالهَا.
وقوله :" هذَا " و " هذا " على حكاية الحال الماضية، فكأنهما حاضران، أي : إذا نظر الناظر إليهما، قال : هذا من شيعته وهذا من عدوه.
وقال المبرد : العرب تشير بهذا إلى الغائب، وأنشد لجرير : ٣٩٧٨ - هذَا ابنُ عَمِّي في دِمَشْقَ خَلِيفَة
لَوْ شِئْتُ سَاقَكُمْ إِليَّ قَطِينا
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٢٢٤
فصل) ﴿هَـذَا مِن شِيعَتِهِ﴾ من بني إسرائيل، ﴿وَهَـاذَا مِنْ عَدُوِّهِ﴾ من القبط.
قال مقاتل : كانا كافرين إلا أنَّ أحدهما من القبط والآخر من بني إسرائيل، لقول موسى عليه السلام له ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ﴾ [القصص : ١٨].
والمشهور أَنَّ الإسرائيلي كان مسلماً، قيل : إنه السامري، والقبطي طبَّاخ فرعون.
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس : لمَّا بلغ موسى أشده لم يكن أحد من آل فرعون يخلُص إلى أحد من بني إسرائيل بظلم حتى امتنعوا كل الامتناع.
وكان بنو إسرائيل قد عزوا بمكان موسى، لأنهم كانوا يعلمون أنه منهم.
قوله " فَاسْتَغَاثَهُ " هذه قراءة العامة من الغوث أي طلب غوثه ونصره، وقرأ سيبويه وابن مقسم والزعفراني بالعين المهملة والنون من الإِعانة.
قال ابن عطية : هي تصحيف وقال ابن جبارة صاحب الكامل : الاختيار قراءة ابن مقسم، لأَنَّ الإِعانة أوْلَى
٢٢٦
في هذا الباب قال شهاب الدين : نسبة التصحيف إلى هؤلاء غير محمودة (كما أن تغالي) الهذلي في اختيار الشاذة غير محمود.
قوله :" فَوَكَزَهُ " أي : دفعه بجميع كَفِّه، والفرق بين الوَكْزِ واللَّكْزِ : أَنَّ الأول بجميع الكف والثاني : بأطراف الأصابع، وقيل بالعكس، وقيل : اللكز في الصدر، والوكز في الظهر، والنَّكْزُ كاللَّكْزِ قال : ٣٩٧٩ - يَا أَيُّهَا الجَاهِلُ ذُو التَّنَزِّي
لا تُوعِدني حَبَّةٌ بِالنَّكْزِ
وقرأ ابن مسعود " فَلَكَزَهُ " و " فَنَكَزَهُ " باللام والنون.
قوله :" فَقَضَى " أي : موسى، أو الله تعالى، أو ضمير الفعل أي : الوكز " فَقَضَى عَلَيْهِ " أي : أماته، وقتله، وفرغ من أمره، وكل شيء فرغت منه فقد قضيته وقضيت عليه، فندم موسى ولم يكن قصده القتل، فدفنه في الرمل، و ﴿قَالَ : هَـذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ﴾ فقوله :" هذَا " إشارة إلى القتل الصادر منه، و ﴿مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ أي : من وسوسته وتسويله.
فصل احتج بهذه الآية من طعن في عصمة الأنبياء من وجوه : أحدها : أن ذلك القبطي إما أن يكون مستحق القتل أو لم يكن كذلك، فإن استحق القتل فلم قال :﴿هَـذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ ؟ ولم قال :﴿ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ﴾ ؟ وقال في سورة أخرى ﴿فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضَّالِّينَ﴾ [الشعراء : ٢٠].
وإن لم يستحق القتل كان قتله معصيةً وذنباً.
وثانيها : أنَّ قوله :﴿وَهَـاذَا مِنْ عَدُوِّهِ﴾ يدل على أنه كان كافراً حربياً، فكان دمه مباحاً،
٢٢٧


الصفحة التالية
Icon