القول منه لا من غيره، وأيضاً قوله :﴿إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأَرْضِ﴾ لا يليق إلا بقول الكافر، والجبار : هو الذي يفعل ما يريده من الضرب والقتل بظلم، ولا ينظر في العواقب، وقيل : المتعظم، ﴿وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾، قال المفسرون : فلما سمع القبطي قول الإسرائيلي علم أَنَّ موسى هو الذي قتل ذلك الفرعوني : فانطلق إلى فرعون فأخبره بذلك، وأمر فرعون بقتل موسى.
قال ابن عباس : أرسل فرعون الذباحين لقتل موسى فأخذوا الطريق الأعظم.
قوله :﴿وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى ﴾، أي : من آخر المدينة اسمه : حزقيل مؤمن آل فرعون، وقيل اسمه شمعون، وقيل :(شمعان) :" يَسْعَى " قال الزمخشري :" يَسْعَى " يجوز ارتفاعه وصفاً لـ " رَجُلٌ " وانتصابه حالاً عنه، لأنه قد تخصص بالوصف بقوله :﴿مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ﴾، فإن جعلت " مِنْ أَقْصَى " متعلقاً بـ " جَاءَ " فـ " يَسْعَى " صفة ليس إلا.
وهذا بناء منه على مذهب الجمهور، وقد تقدَّم أَنَّ سيبويه يجيز ذلك من غير شَرْط.
وفي آية يس قدَّمَ " مِنْ أَقْصَى " على " رَجُل "، لأنه لم يكن من أقصاها وما جاء منها وهنا وصفه بأنه من أقصاها، وهما رجلان مختلفان وقضيتان متباينتان.
(قوله) " يَأْتَمِرُونَ " أي : يتآمرون بمعنى يتشاورون، كقول النمر بن تولب : ٣٩٨٤ - أَرَى النَّاسَ قَدْ أَحْدَثُوا شبهَةً
وَفِي كُلِّ حَادِثَةٍ مُؤْتَمَرْ
وعن ابن قتيبة : يأمر بعضهم بعضاً.
أخذه من قوله تعالى :﴿وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ﴾ [الطلاق : ٦].
(قوله) " فَاخْرُجْ " أي : من المدينة، ﴿إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴾ في الأمر بالخروج، فقوله " لَكَ "، يجوز أن يتعلق بما يدلُّ " النَّاصِحِينَ " عليه، أي ؛ ناصحٌ لك من الناصحين، أو بنفس " النَّاصِحِينَ " للاتساع في الظرف، أو على جهة البيان أي : أعني
٢٣٣
لك.
" فَخَرَجَ مِنْهَا " موسى " خَائِفاً يَتَرَقَّبُ " هِدَايَتَهُ وغَوْثَ الله إيَّاهُ، ﴿قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ أي ؛ لاكافرين وهذا يدلُّ على أن قتله لذلك القبطي لم يكن ذبناً وإلا لكان هو الظالم لهم، وما كانوا ظالمين له بسبب طلبهم له ليقتلوه قصاصاً.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٢٣٠
قوله :﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ﴾ أي : قصد نحوها ماضياً إليها، يقال : داره تلقاه دار فلان، إذا كانت محاذيتها وأصله من اللقاء، قال الزجاج : أي : سلك الطريق الذي تلقاء مدين فيها.
قال ابن عباس : خرج وما قصد مدين ولكنه سلم نفسه إلى الله ومشى من غير معرفة فأسلمه الله إلى مدين، وقيل : وقع في نفسه أن بينهم وبينه قرابة ؛ لأنهم من ولد مدين بن إبراهيم وكان من بني إسرائيل، سميت البلدة باسمه فخرج ولم يكن له علم بالطريق بل اعتمد على الله، وقيل : جاءه جبريل عليه السلام، وعلمه الطريق.
قال ابن إسحاق : خرج من مصر إلى مدين خائفاً بلا زاد ولا ظهر وبينهما مسيرة ثمانية أيام ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر.
﴿قَالَ عَسَى رَبِّى أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ السَّبِيلِ﴾، أي : قصد الطريق إلى مدين.
قوله :﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ﴾ وهو الماء الذي ستقبون منه وهو بئر، ووروده : مجيئه، والوصول إليه، " وَجَدَ عليه " أي : على شفيره ( " أمَّةً " جماعة كثيفة العدد " مِنَ
٢٣٤
النَّاسِ " مختلفين " يَسْقُونَ منها مواشيهم)، ﴿وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ﴾ أي : سوى الجماعة، وقيل : في مكان أسفل من مكانهم.
قوله :" امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ " فـ " تذودوان " صفة لـ " امْرَأَتِيْنِ " لا مفعول ثاني، لأَنَّ " وَجَدَ " بمعنى : لقي، والذَّودُ، الطرد والدفع، قال :
٣٩٨٥ - فَقَامَ يَذُودُ النَّاسَ عَنْهَا بِسَيْفِهِ
وقيل : حبس : ومفعوله محذوف، أي : يَذُودانِ النَّاسَ عن غَنمهما، أو عن مزاحمة الناس، وقال الزمخشري : لم ترك المفعول غير مذكور في " يَسْقُونَ " و " تَذُودَانِ " و " لاَ نَسْقِي "، قُلتُ : لأنَّ الغرض هو الفعل لا المفعول، وكذلك قَوْلهُمَا :﴿لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَآءُ﴾ المقصود منه السَّقي لا المَسْقِيّ.
(فصل واختلفوا في السبب المقتضي لذلك الحبس، فقال الزجاج : لئلا تختلط أغنامهما بأغنامهم، وقيل : لئلا يختلطن بالرجال، وقيل : كانتا تذودان عن وجوههما نظر الرجال لتسترهما، وقيل : تذودان الناس عن غنمهما، وقال الفراء : يحبسانها لئلا تتفرق وتتسرب، وقيل : تذودان أي : معهما قطيع من الغنم، والقطيع من الغنم يسمى : ذوداً، وكذلك قطيع البقرب وقطيع الإبل.
قال عليه السلام :" لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ دَوْدٍ صَدَقَة " وقال الشاعر : ٣٩٨٦ - ثَلاَثَةُ أَنْفُسٍ، وَثَلاَثُ ذَوْدٍ
لَقَدْ جَارَ الزَّمَانُ عَلَى عِيَالِي
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٢٣٤
٢٣٥