وجهه.
وهذا عجيب من هؤلاء، وقد حذفت نون الرفع في مواضع حتى في الفصيح كقوله عليه السلام :" لاَ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتى تُؤْمِنُوا، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابّوا " ولا فرق بين كونها بعد واو، أو ألف، أو ياء، فهذا أصله تتظاهر أن فأدغم وحذفت نونه تخفيفاً، وقرأ الأعمش وطلحة وكذا في مصحف عبد الله " اطَّاهَرا " بهمزة وصل وشد الظاء وأصلها تظاهرا كقراءة العامة، فلما أريد الإدغام سُكِّن الأول فاجتلبت همزة الوصل، واختار أبو عبيدة القراءة بالألف، لأن المظاهر بالناس وأفعالهم أشبه منها بأن المراد الكتابين، لكن لما كان كل من الكتابين يقوي الآخر لم يبعد أن يقال على سبيل المجاز تعاونا، كما يقال : تظاهرت الأخبار.
قوله :﴿وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ﴾ أي بما أنزل على محمد وموسى وسائر الأنبياء، وهذا الكلام لا يليق غلا بالمشركين إلا باليهود، ثم قال : قل لهم يا محمد :﴿فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَآ﴾ يعني من التوراة والقرآن، وهو مؤيد لقراءة " سِحْرَانِ " أو من كتابيهما على حذف مضاف، وهو مؤيد لقراءة " سَاحِرَان "، " أتَّبِعْهُ "، وهذا تنبيه على عجزهم عن الإتيان بمثله.
قوله :" أتَّبِعْهُ " جواب للأمر وهو :" فَأْتُوا "، وقرأ زيد بن علي أَتَّبِعُهُ بالرفع استئنافاً، أي : فأنا أتبعه.
قوله :﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ﴾ استجاب بمعنى أجاب، قال ابن عباس : يريد فإن لم يؤمنوا بما جئت به من الحجج، وقال مقاتلك فإن لم يمكنهم أن يأتوا بكتاب أفضل منهما، وهذا أشبه بالآية، قال الزمخشري : فإن قلت ما الفرق بين فعل الاستجابة في الآية وبينه في قوله :
٢٦٩
٤٠١٠ - فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ
حيث عدِّي بغير لام ؟ قلت : هذا الفعل يتعدى إلى الدعاء بنفسه وإلى الداعي باللام، ويحذف الدعاء إذا عُدِّي إلى الداعي في الغالب، فيقال : استجاب الله دعاءه أو : استجاب به، ولا يكاد يقال : استجاب له دعاءه، وأما البيت فمعناه : فلم يستجب دعاءه على حذف المضاف.
وقد تقدم تقرير هذا في البقرة، وأنَّ استجاب بمعنى أجاب، والبيت الذي أشار إليه هو.
٤٠١١ - وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يجِيبُ إلى النِّدَا
فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٢٦٧
والناس ينشدونه على تعدِّيه بنفسه، فإن قيل : الاستجابة تقتضي دعاء، فأين الدعاء هنا ؟ قيل :" فَأتُوا بِكِتَابٍ " أمر، والأمر دعاء إلى الفعل، وقال :﴿فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ﴾ أي صاروا ملتزمين طريقه، ولم يبق شيء إلا اتباع الهوى، ثم زيّف طريقهم بقوله :﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى﴾ وهذا من أعظم الدلائل على فساد التقليد، وأنه لا بد من الحجة والاستدلال ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.
قوله :﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ﴾ العامة على تشديد " وَصّلْنَا " إما من الوصل ضد القطع أي : تابعنا بعضه ببعض.
قال الفلاراء : أنزلنا آيات القرآن يتبع بعضها بعضاً، وأصله من وصل الحبل، قال : ٤٠١٢ - فَقُلْ لِبَنِي مَرْوَانَ ما بَالُ ذِمَّتِي
بِحَبْلٍ ضَعيفٍ لاَ يَزَالُ يُوصَّلُ
٢٧٠


الصفحة التالية
Icon