" ثَمَرات " ومعنى " يُجْبَى "، أي يجلب ويجمع، يقال : جبيت الماء في الحوض أي : جمعته قال مقاتل : يحمل إلى الحرم ﴿ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أن ما نقوله حق.
قوله :﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ﴾ أي : من أهل قرية " بَطِرَتْ معيشتها "، قال الزمخشري : البطر سوء احتمال الغنى، وهو أن لا يحفظ حق الله تعالى، وانتصب " مَعِيشَتهَا " إما بحذف الجار واتصال الفعل كقوله :﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ﴾ [الأعراف : ١٥٥]، أو بتقدير حذف ظرف الزمان، أصله : بطرت أيَّام معيشتها، وإما بتضمين " بَطِرَتْ " معنى كفرت أو خسرت أو على التمييز أو على التشبيه بالمفعول به، وهو قريب من " سَفِهَ نَفْسَه ".
قال عطاء : عاشوا في البطر فأكلوا رزق الله، وعبدوا غيره.
قوله :﴿فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ قال ابن عباس لم يسكنها إلا المسافرون، ومارُّ الطريق يوماً أو ساعة.
معناه : لم تسكن من بعدهم إلا سكوناً يسيراً قليلاً، وقيل : لم يعمَّر منها إلا أقلها وأكثرها خراب، فقوله :" لَمْ تُسْكَنْ " جملة حالية، والعامل فيها معنى تلك، يجوز أن يكون خبراً ثانياً، و " إلا قليلاً " أي : إلا سكنى قليلاً، أو إلا زماناً قليلاً، أو إلا مكاناً قليلاً.
﴿وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ﴾.
كقوله :﴿إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا﴾ [مريم : ٤٠].
قوله :﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ﴾ يعني القرى الكافرة أهلها حتى نبعث في أمِّها رسولاً، أي في أكثرها وأعظمها رسولاً ينذرهم وخصّ الأعظم ببعثة الرسول فيها لأن الرسول يبعث إلى الأشراف، والأشراف يسكنون المدائن والمواضع التي هي أم ما
٢٧٦
حولها، وهذا بيان لقطع عذرهم، لأن عدم البعثة يجري مجرى العذر للقوم، فوجب ألا يجوز إهلاكهم إلا بعد البعثة.
وقوله :﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾ أي : يؤدّي ويلِّبغ، قال مقاتل : يخبرهم الرسول أنَّ العذاب نازل بهم إن لم يؤمنوا، ﴿وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾ : مشركون أي : أهلكهم بظلمهم، وأهل مكة ليسوا كذلك، فإن بعضهم قد آمن وبعضهم قد علم الله منهم أنَّهم وإن لم يؤمنوا لكنه يخرج من نسلهم من يؤمن.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٢٧٣
قوله :﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾، أي فهو متاع، وقرىء فمتاعاً الحياة بنصب " مَتَاعاً " على المصدر، أي : يتمتَّعون متاعاً، " والحَيَاةَ " نصب على الظرف، والمعنى : يتمتعون بها أيام حياتهم ثم هي إلى فناء وانقضاء ﴿وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾، هذا جواب عن شبهتهم فإنهم إن قالوا تركنا الدِّين لئلا تفوتنا الدنيا، فبيَّن تعالى أن ذلك خطأ عظيم، لأن ما عند الله خيرٌ وأبقى (أمَّا أنَّه خير) فلوجهين : الأول : أن المنافع هناك أعظم، والثاني : أنها خالصة عن الشوائب ومنافع الدنيا مشوبة بالمضار، بل المضار فيها أكثر، وأما أنَّها أبقى، فلأنها دائمة غير منقطعة ومتى قوبل المتناهي بغير المتناهي كان عدماً فظهر بذلك أن منافع الدنيا لا نسبة لها إلى منافع الآخرة، فلا جرم نبه على ذلك فقال :" أَفَلاَ تَعْقِلُونَ " أن الباقي خيرٌ من
٢٧٧


الصفحة التالية
Icon