جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٢٨٤
والظاهر أن ميمه أصلية، ووزنه فعلل كجعفر، وقيل : هي زائدة واشتقاقه من السَّرد، وهو تتابع الشيء على الشيء، إلا أنَّ زيادة الميم وسطاً وآخراً لا تنقاس نحو : دُلاَمِ، وزُرْقُم، من الدلاً والزُّرقة.
قوله :" إلَى يَوْمِ " متعلق بـ " يَجْعَلَ " أو بـ " سَرْمَداً " أو بمحذوف على أنه صفة لـ " سَرْمَداً " وإنما قال :" أَفَلاَ تَسْمَعُونَ "، " أَفَلاَ تُبْصِرُونَ "، لأن الغرض من ذلك الانتفاع بما يسمعون ويبصرون من جهة التدبر، فلما لم ينتفعوا أنزلوا منزلة من لا يسمع ولا يبصر، قال المفسِّرون :" أَفَلاَ تَسْمَعُونَ " سماع فهم " أَفَلاَ تُبْصِرُونَ " ما أنتم عليه من الخطأ والضلال.
وقال الزمخشري : فإن قيل هلاَّ قيل بنهار يتصرَّلإون فيه كما قيل بليل تسكنون فيه، قلنا : ذكر الضياء وهو ضوء الشمس لأن المنافع التي تتعلق بها متكاثرة ليس التصرف في المعاش وحده والظلام ليس بتلك المنزلة، وإنما قرن بالضياء " أَفَلاَ تَسْمَعُونَ " لنَّ السمع يدرك ما لا يدركه البصر من درك منافعه ووصف فوائده، وقرن بالليل " أَفَلاَ تُبْصِرُونَ " لن غيرك يدرك من منفعة الظلام ما تبصره أنت من السكون ونحوه.
٢٨٥
قوله :" لِتَسْكُنُوا فِيهِ " أي في الليل ﴿وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ﴾ أي : في النهار وهذا من باب اللف والنشر ومنه : ٤٠١٦ - كَأَنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْباً وَيَابِساً
لَدَى وَكْرِهَا العِنَّابُ والحَشَفُ البَالِي
قوله :" لَعَلَّكُمْ تَشْكرون " أي : نعم الله، وقيل : أراد الشكر على المنفعتين معاً، وعالم أنه وإن كان السكون في النهار ممكناً (وابتغاء فضل الله بالليل ممكناً) إلا أن الأليق بكل واحد منهما ما ذكره الله تعالى، فلهذا خصه به، وقوله :" وَيَوْمَ يُنَادِيِهمْ " كرَّر ذلك النداء للمشركين لزيادة التقريع والتوبيخ.
قوله :" وَنَزَعْنَا " أخرجنا ﴿مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً﴾ يعني رسولهم الذي أرسل إليهم، كما قال :﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ﴾ [النساء : ٤١] أي : يشهد عليهم بأنهم بلغوا القوم الدلائل، وأوضحوها لهم ليعلم أن التقصير منهم، فيزيد ذلك في غمهم، وقيل المراد الشهداء الذي يشهدون على الناس، ويدخل في جملتهم الأنبياء ﴿فَقُلْنَا هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ﴾ حجتكم بأن معي شريكاً " فَعَلِمُوا " حينئذ " أَنَّ الحَقَّ " التوحيد " لِلَّهِ "، " وَضَلَّ عَنْهُمْ " غاب عنهم ﴿مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ من الباطل والكذب.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٢٨٤
قوله تعالى :﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى ﴾ الآية، قال المفسرون كان ابن عمه،
٢٨٦
لأنه قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب، وموسى ابنُ عمران بن قاهث وقال ابن إسحاق : كان قارون عم موسى كان أخا عمران وهما ابنا يصهر ولم يكن في بني إسرائيل أقرأ للتوراة من قارون، ولكنه نافق كما نافق السَّامري وكان يسمى المنوَّر لحسن صورته.
وقال ابن عباس : إنه كان ابن خالته، فبغى عليهم، وقيل : كان عاملاً لفرعون على بني إسرائيل، وكان يبغي عليهم ويظلمهم، وقال قتادة :" بَغَى عَلَيْهِمْ " بكثرة المال (ولم يرع لهم حق الإيمان بل استخف بالفقراء).
وقال الضحاك : بغى عليهم بالشرك، وقال القفال : طلب الفضل عليهم وأن يكونوا تحت يده، وقال ابن عباس : تكبّر عليهم وتجبر، وقال الكلبي : حسد هارون على الحبورة، وروي أن موسى عليه السلام لما قطع الله له البحر، وأغرق فرعون جعل الحبورة لهارون فحصلت له النبوة والحبورة وكان له القربان والمذبح وكان لموسى الرسالة، فوجد قارون لذلك في نفسه، وقال يا موسى لك الرسالة لهارون الحبورة، ولست في شيء، لا أصبر أنا على هذا، فقال موسى : والله ما صنعت ذلك لهارون بل جعله الله فقال قارون له : فوالله لا أصدِّقك أبداً حتى تأتيني بآية يعرف بها أن جعل ذلك لهارون، قال : فأمر موسى رؤساء بني إسرائيل ان يجيء كلُّ رجل منهم بعصاه فجاءوا بها، فألقاها موسى عليه السلام في قبة له وكان ذلك بأمر الله ودعا موسى ربه أن يريهم بيان ذلك، فباتوا يحرسون عصيهم، فأصحبت عصا هارون تهتز لها ورق أخضر وكانت من شجر اللوز، فقال موسى لقارون : ألا ترى ما صنع الله لهارون، فقال : والله ما هذا بأعجب مما تصنع من السحر، فاعتزل قارون ومعه ناس كثيرة وولي هارون الحبوة والمذبح والقربان، وكانت بنو إسرائيل يأتون بهَدَايَاهُمْ إلى هارون فيضعها في المذبح وتنزل نار من السماء فتأكلها، واعتزل قارون بأتباعه وكان كثير المال والتَّبَع من بني إسرائيل، فما كان يأتي موسى ولا يجالسه.
٢٨٧


الصفحة التالية
Icon