وأحسن وأوجز منه ما قال تعالى) ﴿لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ﴾ [الحديد : ٢٣] قال ابن عباس : كان فرحه ذلك شركاً، لأنه ما كان يخاف معه عقوبة الله تعالى.
وثانيها : قوله :﴿وَابْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ﴾ يجوز أن يتعلق " فِيمَا آتَاكَ " بـ " ابْتَغِ "، وإن يتعلق بمحذوف على أنه حال، أَي : متقلباً " فِيمَا آتاكَ ".
و " مَا " مصدرية أو بمعنى الذي.
والمراد أن يصرف المال إلى ما يؤديه إلى الجنة، والظاهر أنه كان مقرّاً بالآخرة.
وثالثها : قوله :﴿وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ قال مجاهد وابن زيد لا تترك أن تعمل في الدنيا للآخرة وقال السُّدِّي : بالصدقة وصلة الرحم وقال علي ألاَّ تنسى صحتك وقوة شبابك وغناك أن تطلب بها الآخرة، " قال عليه السلام لرجل وهو يعظه :" اغْتَنِمْ خَمْساً قبلَ خَمْسٍ شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِك، وصحَّتك قبل سَقَمِكَ، وغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغك قَبْلَ شُغْلِكَ، وحَيَاتكَ قَبْلَ مَوْتِكَ " قوله :﴿وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ : أي : إحساناً كإحسانه إليك، أي : أحسن بطاعة الله كما أحسن إليك بنعمته، وقيل : أحسن إلى الله إليك، وقيل إنه لما أمره بالإحسان بالمال أمره بالإحسان مطلقاً، ويدخل فيه الإعانة بالمال والجاه وطلاقة الوجه وحسن اللقاء.
٢٩١
قوله :﴿وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ﴾ ولا تطلب الفساد في الأرض، وكل من عصى الله فقد طلب الفساد في الأرض، وقيل المراد ماكان عليه من الظلم والبغي، و " في الأَرْض " يجوز أن يتعلق بـ " تَبْغ " أو بـ " الفَسَادِ " أو بمحذوف على أنه حال وهو بعيد.
ثم قال :﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾، قيل : إن هذا القائل هو موسى عليه السلام ؛ وقيل : بل مؤمنو قومه.
وقوله :" عِنْدي " إما ظرف لـ " أُوتِيته "، وإما صفة للعلم.
فصل قال قارون :﴿إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِى ﴾ أي : على فضلٍ وخير علمه الله عندي فرآني أهلاً لذلك ففضلني بهذا المال عليكم كما فضلني بغيره، وقال سعيد بن المسيب والضحاك : كان موسى عليه السلام يعلم عليم الكيمياء (أنزل الله عليه علمه من السماء) فعلَّم يوشع بن نون ثلث ذلك العلم وعلم كالب بن يوقناء ثلثه وعلم قارون ثلث، فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه.
وكان ذلك سبب أمواله.
وقيل :﴿عَلَى عِلْمٍ عِندِى ﴾ بالتصرف في التجارات والزراعات وأنواع المكاسب ثم أجاب الله عن كلامه بقوله :﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ﴾ الكافرة ﴿مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً﴾ للأموال أو أكثر جماعة وعدداً.
فقوله ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ﴾ يجوز أن يكون هذا إثباتاً لعلمه بأن الله قد أهلك قبله من القرون من هو أقوى منه وأغنى، لأنه قرأه في التوراة وأخبر به موسى وسمعه من حفاظ التواريخ ؛ كأنه قيل : أو لم يعلم في جملة ما عنده من العلم هذا حتى لا يغتر بكثرة ماله وقوته.
ويجوز أن يكون نفياً لعلمه بذلك لأنه لما قال :﴿أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِى ﴾ فتصلف بالعلم وتعظم به قيل مثل ذلك العلم الذي ادعاه ورأى نفسه به مستوجبة لكل نعمة ولم يعلم هذا العلم النافع حتى يقي به نفسه.
والمعنى أنه تعالى إذا أراد إهلاكه لم ينفعه ذلك ولا ما يزيد عليه أضعافاً.
٢٩٢


الصفحة التالية
Icon