قال ابن عطية وأبو البقاء : إذا قدرت الباء كان حالاً.
قال ابن عطية : والمعنى في الباء واللام مختلف، وذلك أنه في الباء، كما تقول : تركت زيداً بحاله وهي في اللام بمعنى من أجل، أي : أحسبوا أنَّ إيمانهم علةٌ للترك انتهى.
وهذا تفسير معنى، ولو فسر الإعراب لقال : أحسبانهم الترك لأجل تلفظهم بالإيمان.
وقال الزمخشري : فإن قلت : فأين الكلام الدال على المضمون الذي يقتضيه الحسبان (في الآية) ؟ قلت : هو في قوله :﴿أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون﴾، وذلك أن تقديره : أحسبوا تركهم غير مَفْتُونِينَ لقولهم : آمنا، فالترك أولى مفعولي " حسب "، وقولهم آمنا هو الخبر، وأما غير مفتونين فتتمة الترك، لأنه من الترك الذي هو بمعنى التصيير، كقوله : ٢٠٢٤ - فَتَركْتُهُ جَزَرَ السِّبَاعِ يَنُشْنَهُ
...........................
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٣٠٥
ألا ترى أنك قبل المجيء بالحسبان تقدر أن تقول :(تركهم) غير مفتونين لقولهم آمنا، على تقدير حاصل ومستقر قبل اللام.
فإن قلت : أن يقولوا هو علة تركهم غير مفتونين فكيف يصح أن يقع خبر مبتدأ ؟ قلت : كما تقول : خُرُوجُه لمخافة الشر، وضربه للتأديب وقد كان التأديب والمخافة في قولك : خرجت (مخافة) الشر وضربته تأديباً تعليلين.
وتقول أيضاً : حسبت خروجه لِمَخَافَةِ الشَّرِّ، وظننت ضربه للتأديب فتجعلهما مفعولين كام جعلتهما مبتدأ وخبراً.
قال أبو حيان : وهذا كلام فيه اضطراب، ذكر أولاً أن تقديره غير مفتونين تتمة يعني أنه
٣٠٩
حال، لأنه سَبَك ذلك من قوله :﴿وهم لا يفتنون﴾ وهي جملة حالية، ثم ذكر " أن يتركوا " هنا من الترك الذي هو تصيير، وهذا لا يصح، لأن مفعول " صير " الثاني لا يستقيم أن يكون لقولهم، إذا يصير التقدير : أن يصيروا لقولهم وهم لا يفتنون وهذا كلام لا يصحّ.
وأما ما مثله به من البيت فإنه يصح أن يكون " جزر السباع " مفعولاً ثانياً لترك - بمعنى صير - بخلاف ما قدر في الآية.
وأما تقديره : تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا على تقدير حاصل ومستقر قبل اللام فلا يصح ؛ إذ كان تركهم بمعنى تصييرهم كان غير مفتونين حالاً، إذ لا ينعقد من تركهم بمعنى تصييرهم ولقولهم مبتدأ وخبر لاحتياج تركهم بمعنى تصييرهم إلى مفعول ثان، لأن غير مفتونين عنده حال، لا مفعول ثان.
وأما قوله : فإن قلت : أن يقولوا إلى آخره فيحتاج إلى فضله (فهم)، وذلك أن قوله : أن يقولوا هو علة تركهم، فليس كذلك، لأنه لو كان علة لكان به متعلِّقاً كما يتعلق بالفِعْل، ولكنه علة الخبر المحذوف الذي هو مستقر أو كائن، والخبر غير المبتدأ، ولو كان " لقولهم " علة للترك لكان من تمامه فكان يحتاج إلى خبر.
وأما قوله : كما تقول : خروجه لمخافة الشرِّ، فلِمَخَافَةِ ليس علةً للخروج، بل للخبر المحذوف الذي هو مستقر أو كائن انتهى.
قال شهاب الدين :" ويجاب الشيخ بأن الزمخشري إنما نظر إلى جانب المعنى، وكلامه عليه صحيح.
وأما قوله : ليس علة للخروج ونحو ذلك، يعني في اللفظ، فأما في المعنى فهو علة قطعاً، ولولا خوف الخروج فات المقصود " فصل معنى الآية : أحسب الناس أن يتركوا بغير اختبار ولا ابتلاء أن يقولوا آمنا ﴿وهم لا يفتنون﴾ وهم لا يُبْتَلَوْنَ في أموالهم وأنفسهم، كلا لنختبرنهم، ليتبين المخلص من المنافق، والصادق من الكاذب.
٣١٠


الصفحة التالية
Icon