قوله تعالى :﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ " أم " هذه منقطعة، فتقدر ببل والهمزة عند الجمهور، والإضراب انتقال لا إبطال.
قال ابن عطية : أم معادلة للألف في قوله :" أحسب " وكأنه عزّ وجلّ قرر الفريقين، قرر المؤمنين أنهم لا يفتنون، وقرر الكافرين أنهم يسبقون نقمات الله.
٣١٣
قال أبو حيان :" ليست معادلة " ؛ إذ لو كانت كذلك لكانت متصلة، ولا جائز أن تكون متصلة لفقد شرطين : أحدهما : أن ما بعدها ليس مفرداً، ولا ما في قوته.
والثاني : أنه لم يكن هنا ما يجاب به من أحد شيئين أو أشياء.
وجوز الزمخشري في " حسب " هذه أن تتعدى لاثنين، وجعل " أن " وما في خبرها سادةً مسدهما، كقوله :﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ﴾ [البقرة : ٢١٤]، وأن تتعدى لواحدٍ على أنها مضمنة معنى " قدر "، إلا أن التضمين لا ينقاس قوله :" ساء ما يحكمون} يجوز أن تكون " ساء " بمعنى بئس فتكون " ما " إما موصولة بمعنى الذي، و " يحكمون " صلتها، وهي فاعل ساء، والمخصوص بالذم محذوف أي حكمهم.
٣١٤
ويجوز أن تكون " ما " تمييزاً، و " يحكمون " صفتها، والفاعل مضمر يفسره " ما " والمخصوص أيضاً محذوف.
ويجوز أن تكون ساء بمعنى قَبُحَ، فيجوز في " ما " أن تكون مصدرية، وبمعنى الذي، ونكرة موصوفة، وجيء بـ " يحكمون " دون " حكموا " إما للتنبيه على أن هذا ديدنهم وإما لوقوعه موقع الماضي لأجل الفاصلة.
ويجوز أن تكون ما مصدرية وهو قول ابن كَيْسَانَ فعلى هذا يكون التمييز محذوفاً، والمصدر المؤوّل مخصوص بالذم أي ساء حكماً حكمُهُمْ.
وقد تقدم حكم " ما " إذا اتصلت ببئس مشبعاً في البقرة.
فصل لما بين حسن التكليف بقوله :﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا ااْ﴾ بين أن من كلف بشيء ولم يأت به يعذب، وإن لم يعذب في الحال فسيعذب في الاستقبال، ولا يفوت الله شيء.
في الحال ولا في المآل.
فقوله :﴿أم حسب الذين يعملون السيئات﴾ يعني الشرك " أن يسبقونا " أي يعجزونا ويفوتونا، فلا نقدرعلى الانتقام منهم ﴿ساء ما يحكمون﴾ بئس ما حكموا حين ظنوا ذلك.
قوله :﴿مَن كَانَ يَرْجُو﴾ يجوز أن تكون من شرطية، وأن تكون موصولة ودخلت الفاء لشبهها بالشرطية.
فإن قيل : المعلق بالشرط عُدِمَ عَدَم الشرط، فمن لا يرجو لقاء الله لا يكون أجل الله آتياً له، وهذا باطل، لأن أجل الله آت لا محالة من غير تقييد بشرط ؟ فالجواب : أن قوله :﴿فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ﴾ ليس بجواب، بل الجواب محذوف، أي فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً كما قد صرح به.
وقال ابن الخطيب : المراد من ذكر إتيان الأجل وعد المطيع بما يعده من الثواب أي من كان يرجو لقاء الله فإن أجره لآتٍ بثواب الله، أي يُثَابُ على طاعته، ومن لا يرجو لقاء الله آتياً له على وجه الثواب.
فصل قال ابن عباس ومقاتل : من كان يخشى البعث والحساب.
والرجاء بمعنى الخوف.
وقال سعيد بن جبير : من كان يطمع في ثواب الله فإن أجل الله يعني ما وعد الله من الثواب والعقاب.
٣١٥