وقرأ عيسى والجحدري :" حَسَناً " وهما لغتان، كالبُخْل والبَخَل.
وقد تقدم ذلك في أوائل البقرة.
وقرىء : إحساناً، من قوله تعالى :﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾ [الإسراء : ٢٣].
فصل معنى حسناً أي برّاً بهما، وعطفاً عليهما، والمعنى : ووصينا الإنسان أن يفعل بوالديه ما يحسن.
نزلت هذه الآية، والتي في سورة لقمان والأحقاف في سعد بن أبي وقاص، وهو سعد بن مالك أبو إسحاق الزهري وأمه حثمْنَةُ بنت أبي سفيان بن أمية من عبد شمس، لما أسلم، وكان من السابقين الأولين وكان باراً بأمه، قالت أمه : ما هذا الدين الذي أَحْدَثْتَ ؟ والله لا آكلُ ولا أشربُ حتى ترجعُ إلى ما كنت عليه أو أموت فتعير بذلك أبد الدهر، ويقال : يا قاتل أمِّهِ.
ثم إنها مكثت يوماً وليلة لم تأكل ولم تشرب (ولم تَسْتَظِلَّ فأصبحت قد جهدت، ثم مكثت يوماً آخر لم تأكل ولم تشرب) فجاء " سعد " إيلها، وقال يا أُمَّاهُ : لو كانت مائة نفس (فخرجت نفسا) نفساً ما تركت ديني فكُلِي، وإن شئت فلا تأكلي فلما أيست منه أكلست وشربت فأنزل الله هذه الآية، وأمره الله بالبر بوالديه والإحسان إليهما.
واعلم أنه إنما أمر بالإحسان للوالدين لأنهما سبب وجود الولد بالولادة وسبب بقائه بالتربية المعتادة، والله تعالى بسبب له في الحقيقة بالإرادة، وسبب بقائه بالإعادة للسعادة، فهو أولى بأن يحسن العبد حاله (معه).
٣١٩
قوله :﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا﴾.
قال عليه (الصلاة) والسلام :" لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ في معصية الله " ثم أوعد بالمصير إليه، فقال :﴿إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أخبركم بصالح أعمالكم وسيئها فأجازيكم عليها كأنه تعالى يقول : لا تظنوا أني غائب عنكم وآباؤكم حاضرون فتوافقون الحاضرين في الحال اعتماداً على غيبتي، وعدم علمي بمخالفتكم فإني حاضر معكم أعلم ما تفعلون، ولا أنسى فأنبئكم بجميعه.
قوله :" والذين آمَنُوا " يجوز فيه الرفع على الابتداء، والنصب على الاشتغال.
وقوله :﴿لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ﴾ أي نجعلهم منهم، وندخلهم في أعدادهم، كما يقال : الفقيه داخل في العلماء.
والمعنى : نجعلهم من جملة الصالحين وهم الأنبياء والأولياء.
وقيل : في مَدْخَل الصالحين وهو الجنة.
فإن قيل : ما الفائدة في إعادة ﴿الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ ؟ فالجواب : أنه ذكر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولاً، لبيان حال المهتدي وثانياً، لبيان حال الهادي لأنه قال أولاً :{لنكفرن عنهم سيئاتهم.
وقال ثانياً :﴿لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ﴾ والصالحين هم الهداة، لأنها مرتبة الأنبياء، ولهذا قال إبراهيم - عليه (الصلالة) والسلام :" والحقني بالصَّالِحينَ ".
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٣١٣
قوله تعالى :﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ المكلفون ثلاثة أقسام : مؤمن ظاهر بحسن اعتقاده، وكافر مجاهر بكفره، وعناده، ومذبذب بينهما ويظهر الإيمان بلسانه ويضمر الكفر، فالله تعالى لما بين القسمين الأولين بقوله :﴿أم حسب الذين يعملون السيئات﴾ إلى قوله :﴿والذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ بين القسم الثالث وهو المنافق فقال :﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي اللَّهِ﴾ أصابه بلاء من الناس افتتن، ﴿جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ أي جعل أذى الناس وعذابهم كعذاب الله في الآخرة أي جزع من أذى الناس ولم يصبر عليه فأطاع الناس كما يطيع الله من يخاف عذابه، قال
٣٢٠