قوله تعالى :﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ اتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا﴾ قال مجاهد : هذا قول كفار مكة لمن آمن منهم وذلك أن الكافر يقول للمؤمن تصبر في الذل، وعلى الإيذاء لأي شيء ولم لا تدفع عن نفسك الذل والعذاب بموافقتنا فيجيبه المؤمن بأن يقول خوفاً من عذاب الله على خطيئة مذهبكم فقالوا : لا خطيئة فيه وإن كان فيه خطئية فعلينا.
قوله :" وَلْنَحْمِلْ " أمر في معنى الجنس، قال الزمخشري : وهو في معنى من يريد اجتماع أمرين في الوجهين فيقول : ليكن منك العطاء، ومني الدعاء.
فقوله :" ولنحمل " أي ليكن منا الحِمْل، وليس هو في الحقيقة أمر طلب وإيجاب وقرأ الحَسَن وعيسى بكسر لام الأمر، وهو لغة الحجاز قال الزمخشري :" وَهذا قول صناديد قريش كانوا يقولون لمن آمن منهم لا نبعث نحن، ولا أنتم، فإن عيسى كان ذلك فإنا نتحمل (عنكم الإثم).
قال أبو حيان :" هذا تركيب عجمي من جهة إدخال حرف الشرط وهي جامدة واستعمالها من غير اسم، ولا خبر، وإيلائها كان ".
وقرأ العامة " خطاياكم "، وداود بن هند :" من خطيئاتهم " جمع سلامة، وعند أيضاً :" خطيئتهم " بالتوحيد والمراد الجنس، وهذا شبيه بقراءتي :﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ﴾ و " خطيئاته " وعنه أيضاً :" خطَئهم " - بفتح الطاء وكسر الياء، يعني بكسر الهمزة القريبة من الياء لأجل تمهيدها بين بين، و " من شيء " وهو مفعول بحاملين و " من خطاياهم " لما تقدم عليه انتصب حالاً.

فصل معنى الآية اتبعوا سبيلنا أي ديننا وملة آبائنا، ونحن الكفلاء بكل تبعية من الله


٣٢٣
تصيبكم وهو قوله :" ولنحمل خطاياكم "، نظير هذه الصيغة :﴿فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ﴾ ثم أكذبهم الله تعالى فقال :﴿وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ فيما قالوا.
فإن قيل : قال :﴿وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء﴾ وقال بعده :﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ فنفى الحمل أولاً، وأثبت الحمل ثانياً فكيف الجمع بينهما ؟ فالجواب : أن قول القائل في " حمل فلان وعن فلان " يريد : أن حمل فلان خف، فإذا لم يخف حمله فلا يكون قد حمل عنه شيئاً، فقوله :﴿وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء﴾ يعني (لا يرحمون) ولا يرفعون عنهم خطيئة، بل يحملون أوزار أنفسهم، وأوزاراً بسبب إضلالهم (لهم)، كقوله (عليه الصلاة) والسلام :" مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا منْ غَيْرِ أن يَنْقُصَ من وِزِرْهِ شَيْء "، والمعنى : وليحملن أوزار أعمالهم التي عملوها بأنفسهم، " أثقالاً مع أثقالهم " أو أوزاراً مثل أوزار من أضلوا مع أوزارهم، كقوله :﴿وليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم﴾.
قوله :﴿وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون﴾ سؤال توبيخ وتقريع، وذلك الافتراء يحتمل ثلاثة أوجه : أحدها : قولهم :" ولنحمل خطاياكم " كان لاعتقادهم أن لا خطيئة في الكفر، ثم يوم القيامة يظهر لهم خلاف ذلك، فيسألون عن ذلك الافتراء.
وثانيها : أن قولهم " ولنحمل خطاياكم " كان لاعتقادهم أن لا حشر، فإذا جاء يوم القيامة ظهر خلاف ذلك، فيسألون يوقول لهم : أما قلتم : أن لا حشر.
وثالثها : أنهم لما قالوا : نحمل خطاياكم يوم القيامة، يقال لهم : فاحملوا خطايهم، فلا يحملون ويسألون فيقال لهم : فَلَمَ افتريتم.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٣٢٣
قوله تعالى :﴿ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه...
لما بين التكليف، وذكر أقسام المكلفين ووعد المؤمن الصادق بالثواب العظيم، وأوعد الكافر والمنافق بالعذاب الأليم
٣٢٤


الصفحة التالية
Icon