قوله تعالى :﴿وَلاَ تُجَادِلُوا ااْ أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ أي لا تخاصمهم إلا بالتي هي أحسن أي بالدعاء إلى الله بآياته والتنبيه على حججه، وأراد من قبل الجزية منهم لما بين طريقة إرشاد المشركين بين طريقة إرشاد أهل الكتاب.
قوله :﴿إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ استثناء متصل، وفيه مَعْنَيَانِ.
أحدهما : إلا الظلمة فلا تجادلوهم ألبتة بل جاهدوهم بالسسيف حتى يسلموا أو يُعْطُوا الجزية.
ومجاز الآية : إلا الذين ظلموكم لأن جميعهم ظالم بالكفر.
والثاني : جادلوهم بغير التي هي أحسن أي أغلظوا لهم كما أغلظوا عليكم، قال سعيد بن جبير : أهل الحرب، ومن لا عهد له، وقال قتادة ومقاتل : نُسِخَتْ بقولِهِ :
٣٦١
﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [التوبة : ٢٩]، وقرأ بن عباس " أَلاَ " حرف تنبيه أي فجادلوهم.
قوله :﴿وَقُولُوا ااْ آمَنَّا بِالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ﴾ وهذا تبين لمجادلتهم بالتي هي أحسن يريد إذا أخبركم واحٌ منهم ممن قبل الجزية بشيء مما في كتبهم فلا تجادلوهم عله ولا تصدقوهم ولا تكذبوهم ﴿وَقُولُوا ااْ آمَنَّا بِالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَـاهُنَا وَإِلَـاهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾، روى أبو هريرة قال :" كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعِبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله - ﷺ - : لا تصدقوهم ولا تكذبهم وقولوا : آمنا بالله وما نزل إلينا...
الآية " وروى معمر عن الزهري أن أبا نملة الأنصاري أخبره أنه بينما هو جالس عند رسول الله - ﷺ - جاءه رجل من اليهود ومرّ بجنازة فقالك يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة فقال رسول الله - ﷺ - (الله) أعلم فقال اليهودي : إنها تتكلم فقال رسول الله - ﷺ - :" ما حدثكم أهل الكتاب فلا تُصَدِّقُوهُم ولا تكذِّبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله فإن كان باطلاً لم تصدقوه وإن كان حقاً لم تكذبوه " قوله :" وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا " أي كما أنزلنا إليهم الكتاب أنزلنا إليك الكتاب ﴿فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ يعنى (مُؤْمِني) أهل الكتاب عبد الله بن سلام، (وأصحابه) " ومِنْ هَؤُلاَءِ " يعني أهل مكة ﴿مَنْ يُؤْمِنُونُ بِهِ﴾ وهم مؤمنوا أهل مكة ﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ الْكَافِرونَ﴾ وذلك أن اليهود عرفوا أن محمداً نبي، والقرآن حق، فجحدوا، وقال قتادة : الجحود إنما يكون بعد المعرفة وهذا تنفير لهم عما هم عليه يعني إنكم آمنتم بكل شيء وامتزتم عن المشركين بكل فضيلة إلا هذه المسألة الواحدة، وبإنكارها تلتحقون بهم، وتبطلون مزاياكم، فإن الجاحد بآية يكون كافراً.
قوله :﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ﴾ أي من قبل ما أنزلنا إليك الكتاب.
قوله :" مِنْ كِتَابٍ " مفعول " تتلو " و " من " زائدة و " من قبله " حال من " كتاب " أو
٣٦٢
متعلق بنفس " تتلو " و " تخطّه بيمينك " أي ولا تكتبه أي لم تكن تقرأ ولا تكتب قبل الوحي قوله :" إذاً لاَرْتاب " جواب وجزاء، أي لو تلوت كتاباً قبل القرآن أو كنت ممن يكتب لارتاب المبطلون ولشكّ (المشركون من) أهل مكة، وقالوا : إنه يقرأه من كتب الأولين وينسخه منها، وقال قتادة ومقاتل : المبطلون هم اليهود والمعنى : لشكوا فيك واتهموك، وقالوا : من الذي نجد نعته في التوراة أمي لا يقرأ ولا يكتب وليس هذا على ذلك النعت.
قَوْلُهُ :﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ﴾ قرأ قتادة " آيَةٌ " بالتوحيد، قال الحسن : يعني القرآن ( " آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ "}، يعني :" المؤمنين " الذين حملوا القرآن، وقال ابن عباس وقتادة :( " بل هو " ) يعني : محمداً - ﷺ - ذو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب لأنهم يجدونه بنعته وصفته في كتبهم وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ الظَّالِمُونَ}.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله ههنا :" الظالمون " ومن قبل قال : الكافرون ؟ فالجواب : أنهم قبل بيان المعجزة قيل لهم : إن لكم المزايا فلا تُبْطِلُوها بإنكار محمد فتكونوا كافرين فلفظ الكافر هانك أبلغ فمنعهم عن ذلك لاستنكافهم عن الكفر، ثم بعد بيان المعجزة قال لهم إن جحدتم هذه الآيات لزمكم إنكار إرسال الرسل فتلحقوا في أول الأمر بالمشركين حكماً، وتلتحقون عند جحد هذه الآيات بالمشركين حقيقة فتكونوا ظالمين أي مشركين، كما قال :﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان : ١٣] فهذا اللفظ هنا أبلغ.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٣٦١
وله تعالى :﴿وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ﴾ كما أنزل على الأنبياء من قبل.
٣٦٣


الصفحة التالية
Icon