بأن كذبوا فلما حذف الحرف جرى القولان المشهوران بين الخليل وسيبويه في محل " أَنْ ".
: والثاني : أنه بدل من " السُّوءَى " أي ثم كان عاقبتهم التكذيب، وعلى الثاني يكون " السوءى " مصدراً " لأساءوا " أو يكون نعتاً لمفعول محذوف أي أساء والفعلةَ والسُّوءَى، و " السوءى " تأنيث " لِلأَسْوَأ ".
وجوز بعضهم أن يكون خبر كان محذوفاً للإبهام، و " السوءى " إما مصدر وإما مفعول كما تقدم أي اقْتَرَفُوا الخَطِيئَةَ السُّوءَى ؛ أي كان عاقبتهم الدّمار.
وأما النصب فعلى خبر كان، وفي الاسم وجهان : أحدهما :" السوءى " إن كانت الفعلة السوءى عاقبةَ المُسِيئينَ، و " أَنْ كَذَّبُوا " على ما تقدم.
الثاني : أن الاسم " أَنْ كَذَّبُوا " و " السُّوءَى " على ما تقدم.
المعنى : ثم كان عاقبة الذين أساءُوا السُّوءى يعني : الخلة التي تسوؤهم وهي النار (وهي) السُّوءَى اسم لجهنم كما أن الحُسْنَى اسم للجنة " أن كذبوا " أي لأن كذبوا، وقيلك تفسير " السوءى " ما بعده، وهو قوله :" أَنْ كَذَّبُوا " يعني : ثم كان عاقبة المسيئين التكذيب حَمَلَهُمْ تلك السيئات على أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٣٨٧
قوله :﴿اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ أي يخلقهم ابتداء ثم يعيدهم بعد الموت أحياء
٣٩١
ولم يقل :" يُعِيدُهُمْ " رد على الخلق، ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ؛ فيجزيهم بأعمالهم، قرأ أبو بكر، وأبو عمرو " يَرْجِعُونَ " - بالياء - والآخرون بالتاء.
قوله :﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ﴾ قرأ العامة " يُبْلِسُ " ببنائه للفاعل وهو المعروف يقال : أَبْلَسَ الرجل أي انقطعت حجته فكست وهو قاصر لا يتعدى، قال العجاج : ٤٠٣٦ - يَا صَاحِ هَلْ تَعْرِفُ رَسْماً مُكْرَسَا
قَالَ : نَعَمْ أَعْرِفُهُ وَأَبْلَسَا
وقرأ السُّلَمِيُّ :" يُبْلَسُ " مبنيّاً للمفعول، وفيه بعدٌ، لأن أبْلَسَ يتعدى، وقد خُرِّجَتْ هذه القراءة على أن القائم مقام الفاعل مصدر الفعل، ثم حذف (المضافُ، وأقيم) المضاف إليه مُقَامَهُ، إذ الأصل يُبْلَسُ إبْلاَس المجرمين، و " يبلس " هو الناصب " ليَوْمَ تَقُومُ " و " يَوْمَئِذٍ " مضاف لجملة تقديرها يَوْمَئِذٍ يقوم وهذا كأنه تأكيد لفظي، إذ يصير التقيدر يبلس المجرمون (يوم تقوم الساعة).

فصل قال قتادةُ والكَلْبِيُّ : المعنى يبلس المشركون من كل خير ؛ وقال الفراء : ينقطع كلامهم وحججهم.


وقال مجاهد : يفتضحون.
ولم يكن لهم شركائهم أصنامهم التي عبدوها ليشفعوا لهم شفعاء، ﴿وَكَانُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ كَافِرِينَ﴾ يتبرأون منها وتتبرأُ منهم.
قوله :﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ﴾ أي بين أهل الجنة من أهل النار، قال مقاتل : يتفرقون بعد الحساب إلى الجنة والنار فلا يجتمعون أبداً كما قال تعالى :﴿فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ [الشورى : ٧].
قوله :﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ﴾
٣٩٢
وهي البستان الذي في غاية النضارة، وقوله :" يُحْبَرُونَ " قال ابن عباس يكرمون.
وقال قتادة ومجاهد : يُنَعمون، وقال مجاهد وأبو عبيدة : يسرون، والحَبْر والحُبُور السرور.
وقيل الحَبْرة في اللغة كل نعمة حسنة والتَّحْبير التَّحْسِينُ يقال هو حسن الحِبرَ والسِّبر بكسر الحاء والسين وفتحهما وفي الحديث :" حَبْرْتُهُ لَكَ تَحْبِيراً "، أي حسنت لك صوتي والقرآن تحسيناً، وجاء في الحديث " يَخْرُجُ من النَّارِ رَجُلٌ ذَهَبَ حَبْرُهُ وسَبْرُهُ " فالمفتوح مصدر والمكسور اسم، والروضة الجنة، قيل : ولا تكون روضة إلا وفيها نبت، وقيل : إلا وفيها ماء، وقيل : ما كانت منخفضة، والمرتفعة يقال لها : تُرعة، وقيل : لا يقال لها روضة إلا وهي في مكان غليظ مرتفع.
قال الأعشى : ٤٠٣٧ - ما رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الحَزْنِ مُعْشِبَةً
خَضْرَاءَ جَادَ عَلَيْهَا مُسْبِلٌ هَطِلُ
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٣٩١
وأصل رياضٍ رَواضٌ، فقلبت الواو ياء على حدِّ حَوْصٍ وحِيَاضٍ ونكر الروضة للتعظيم، وقال ههنا : يُحْبَرُونَ : بصيغة الفعل ولم يقل " مَحْبُرُونَ " وقال في الأخرى (مُحْضَرُون) بصيغة الاسم ولم يقل " يُحْضَرُونَ " لأن الفعل يدل على التجديد، والاسم لا يدل عليه، فقوله " يحبرون " يعني كل ساعة يأتيهم ما يسرون به، وقوله "
٣٩٣
محضرون " أي الكفار في العذاب يبقون (فيه) مُحْضَرُونَ.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٣٩١


الصفحة التالية
Icon