قوله :﴿وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً﴾، قرأ ابن كثير أَتَيْتُمْ مقصوراً، وقرأ الآخرون بالمد أي أعْطَيْتُم ومن قصر فمعناه جِئْتم من رباً ومجيئهم ذلك على وجه الإعطاء كما تقول : أتيت خطأ، وأتيت صواباً وهو يؤول في المعنى إِلى قول من مَدَّ.
قوله :" لِيَرْبُو " العامة على الياء تحت مفتوحة، أسند الفعل لضمير " الرِّبَا " أي لِيَزْدادَ، ونافعٌ ويعقوبٌ بتاءٍ من فوق مضمومةً خطاباً للجماعة، قَالُوا وعلى الأول لامُ الكلمة، وعلى الثاني كلمةٌ، وعلى الثاني كلمةٌ، ضميرُ الغائبينَ.
فصل ذكر هذا تحريصاً يعني أنكم إذا طلب منكم واحد باثنين (تَرْ) غَبُونَ فيه وتُؤْثِرُونَهُ، وذلك لا يربو عند الله فاختطاف أموال الناس والزكاة تنمُو عند الله كما أخبر النبي - ﷺ - " إِنَّ الصَّدَقَةَ تَقعُ في يَدِ الرَّحْمنِ فَتَرْبُوا حَتَّى تَصِيرَ مِثْلَ الجَبَلِ " فينبغي أَن يكون إقْدَامكُمْ على الزكاة أكثرَ واختلفوا في معنى الآية قال سعيد بين جبير، ومجاهد وطاوس وقتادة والضحاك وأكثر المفسرين : هو الرجل يعطي عبده
٤١٦
العطيَّة لِيُثيبَ أكثر منها، فهذا جائز حلالاً، ولكن لا يثاب عليه في الفقه فهو معنى قوله تعالى :﴿فَلاَ يَرْبُو عِندَ اللَّهِ﴾ وكان هذا حراماً على النبي - ﷺ - خاصة لقوله تعالى :﴿وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ﴾ [المدثر : ٩] أي لا تعطِ وتطلب أكثر مما أعطيتَ، وقال النخعي : هو الرجل يعطي صديقة وقريبه ليكثر ماله، ولا يريد به وجه الله.
وقال الشعبي : هو الرجل يَلْتَزِقُ بالرجل فيجزيه ويسافر معه فيحصل له ربح ماله التماس عونه لا لوجه الله فَلاَ يَرْبُو عند الله ؛ لأنه لم يُردْ به وَجْهَ الله ﴿وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍَ﴾ أعطيتم من صدقة تريدون وجه الله.
قوله :﴿فَأُوْلَـائِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ أي أصحاب الأضعاف، قال الفراء : نحو مُسْمِن ومُعْطِشٍ أي ذي إبل سِمَانٍ وعِطَاشٍ، وتقول العرب : القوم مُهْزِلُونَ ومُسْمِنُونَ، إذا هَزِلَتْ وسَمِنَتْ، فالمُضْعِفُ ذو الأضْعَافِ من الحسنات وقرأ " أبيّ " بفتح العين، وجعله اسم مفعول.
وقوله :( " فَأُولَئِكَ هُمْ " قال الزمخشري :" التفات حسن كأنه قال لملائكته وخواص خلقه) فأولئك الذين يريدون وجه الله بصدقاتهم " هم المُضْعِفُون " والمعنى هم المُضْعِفُونَ به لأنه من ضمير يرجع إلى ( " مَا انتهى ) يعني أن اسم الشرط مَتَى كان غير ظرف وَجَبَ عودُ ضميرٍ من الجواب عليه.
وقد تقدم ذلك في البقرة عند :﴿قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ﴾ [البقرة : ٩٧] ثم قال :" ووجه آخر : وهو أن يكون تقديره فمُؤْتُوه فأولئك هم المضعفون، والحذف لباقي الكلام من الدليل عليه "، وهذا أسهل مأخذاً، والأول أملأ بالفائدة.
قوله :﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ يجوز في خبر الجلالة وجهان : أظهرهما : أنه الموصول بعدها.
والثاني : أنه الجملة من قوله :﴿هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ﴾ والموصول
٤١٧
(صفة) للجلالة، وقدر الزمخشري الرابط المبتدأ، والجملة الرافعة (خبراً) فقال :" من ذلكم " هو الذي ربط الجملة بالمبتدأ، لأن معناه من أفعاله.
قال أبو حيان : والذي ذكره النحويون أن اسم الإشارة يكون رابطاً إذا أشير به إلى المبتدأ، وأما ذلك هنا فليس بإشارة إلى المبتدأ لكنه شبيه بما أجازه الفراء من الرَّبْطِ بالمعنى وذلك في قوله :﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ﴾ [البقرة : ٢٣٤] قال : التقدير يَتَرَبَّصْنَ أزواجُهُمْ، فقد الرابط بمضاف إلى ضمير " الذين " فحصل به الربط كذلك قدر الزمخشري " من ذلكم " من أفعاله بمضاف إلى الضمير العائد إلى المبتدأ.
قوله :" الَّذِي خَلَقَكُمْ " أوجدكم ﴿رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ﴾ جمع في هذه الآية بين الحشر والتوحيد، أما الحشر فقوله :" يُحْيِيكُمْ "، وأما الدليل فقدرته على الخلْق ابتداءً وأما التوحيد، فقوله :﴿هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مِّن شَيْءٍ﴾ ثم قال :﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أي سبحوه تسبحياً ونزهوه ولا تصفوه بالإشراك ".
وقوله " : تَعَالَى " أي لا يجوز ذلك عليه.
قوله :" مِنْ شُرَكَائِكُمْ " خبر مقدم و " مِنْ " لِلتَّبْعيض " مَنْ يَفْعَلُ " هو المبتدأ، و " ذلِكُمْ " متعلق بمحذوف، لأنه حال من " شَيء " بعده فإنه في الأصل صفة له و " مِنْ " الثانية مزيدة في المفعول به ؛ لأنه في حَيِّز النفي المستفاد من الاستفهام والتقدير ما الذي يفعل شيئاً مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شركائكم ؟.
وقال الزمخشري :" ومن الأولى والثانية كل واحدة مستقلة تأكيد لتعجيز شركائهم وتجهيل عبدتهم ".
وقال أبو حيان : ولا أدري ما أراد بهذا الكلام ؟ وقرأ الأعمش " تشركون " بتاء الخطاب.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤١٦


الصفحة التالية
Icon