قوله :﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً﴾ أي تنشره وتبْسطه في السَّمَاء كيف يشاء سيره يوماً أو يومين وأكثر على ما يشاء و " يَجْعَلُهُ كِسَفاً " قطعاً متفرقة، " فَتَرَى الوَدقَ " المطر ﴿يخرج من خلاله﴾ وسطه ﴿فَإِذَا أَصَابَ بِهِ﴾ بِالوَدقِ ﴿مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ أي يفرحون بالمطر.
قوله :﴿وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ﴾ أي وقد كانوا من قبل أن ينزل عليهم.
٤٢٣
وقيل : وما كانوا (إلا) " مُبْلِسِينَ " أي آيسين.
قوله :" مِنْ قَبْلِهِ " فيه وجهان : أحدهما : أنه تكرير " لِمنْ قَبْلِ " الأولى على سبيل التوكيد.
والثاني : أن يكون غير مُكَرَّر ؛ وذلك (أن يجعل) الضمي في " قبله " للسَّحَاب، وجاز ذلك لأنه اسم جنس يجوز تذكيره وتأنيثه، أو للريح فتتعلق ( " مِن " الثانية) بيُنَزِّل.
وقيل : يجوز عود الضمير على " كِسَفاً " كذا أطلق أبو البقاء، وأبو حيان، وهذه بقراءة من سَكَّنَ السِّينَ.
وقد تقدمت قراءات " كسفاً " في " سُبْحَانَ ".
وقد أبدى الزمخشريُّ ابنُ عَطِيَّةَ (فائدة التوكيد المذكور فقال ابن عطية) أفاد الإعلام بسرعة تقلب قلوب البشر من الإِبلاس إلى الاسْتِبْشَار، وذلك أن قوله :﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ﴾ يحتمل الفُسْحَةَ في الزمان أي من قبل أن ينزل بكثيرٍ كالأيام ونحوه، فجاء قوله :" مِنْ قَبْلِهِ " (بمعنى) أن ذلك متصلٌ بالمطر، فهذا تأكيد مفيد.
وقال الزمخشري : ومعنى التأكيد فيه الدلالة على أنَّ عَهْدَهُمْ بالمطر قد نَفَدَ فاستحكم بأسُهُم وتمادى إبلاسهم، فكان استبشارهم على قدر اغتمامهم بذلك، وهو كلام حسن، إِلاَّ أنَّ أبَا حَيَّان لم يَرْتَضِهِ منهما فقال : ما ذكراه من فائدة التأكيد غير ظاهر فإنما هو لمجرد التوكيد ويفيد رفع المجاز انتهى.
قال شهاب الدين ولا أدري عَدَمُ الظُّهُورِ لِمَاذَا.
٤٢٤
قال قُطْرُبٌ : وإنْ كَانُوا من قبل التَّنْزِيل من قبلِ المَطَرِ، وقيل التقدير من قبل إنْزَالِ المَطَرِ من قبل أن يزرعوا، ودل المطر على الزرع لأنه يخرج بسبب المطر ودل على ذلك قوله :" فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً " يعني الزرع قال أبو حَيَّانَ : وهذا لا يستقيم ؛ (لأن) ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ﴾ متعلق " بمبلسين "، (ولا يمكنُ من قبل الزرع أن يتعلق " بمبلسين " ) ؛ لأن حَرْفَيْ جَرٍّ لا يتعلقان بعامل واحد إلا بوَسَاطَةِ حرف العَطْفِ (أ) والبَدَل، وليس هنا عطف والبدل لا يجوز إذْ إنزالُ الغَيْثِ ليس هو الزرع ولا الزرع بعضه، وقد يتخيل فيه بدل الاشتمال بتكلف إما لاشتمالِ (الإنزال) على الزرع بمعنى أن الزرع يكون ناشئاً عن الإنزال فكأن الإنزال مشتملٌ عليه، وهذا على مذهب من يقول الأول مشتمل على الثاني.
وقال المبرد الثاني السَّحَاب ؛ لأنهم لما رأوا السَّحاب كانوا راجين المَطَرَ انتهى يريد من قبل رؤية السحاب ويحتاج أيضاً إلى حرف عطف ليصح تعلق الحرفين بمبلسين.
(وقال الرُّمانِيُّ من قبل الإِرسال)، وقال الكِرْمَانِيُّ : من قبل الاسْتِبْشَار ؛ لأنه قرنه بالإبلاس، ولأنه (مَنَّ) عليهم بالاستبشار ويحتاج قولهما إلى حرف العطف لما تقدم، وادعاء حرف العطف ليس بالسسهل فإن فيه خلافاً بعضهم يَقِيسُه، وبعضُهم لا يَقِيسُه، هذا كله في المفردات، أما إذا كان في الجمل فلا خلاف في اقتياسه.
وفي حرف عبد الله بن مسعود : وإنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ ينزل عَلَيْهِمْ لَمُبُلِسِينَ غير مكرر.
قوله :﴿فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ﴾ قرأ أبنُ عامر والأخوانِ وحَفْصٌ بالجمع والباقون
٤٢٥
بالإفراد :(وَسلاَّمٌ) بكسر الهمزة، وسكون الثاء وهي لغة فيه.
وقرأ العامة " كَيْفَ يُحْيِي " بياء الغيبة، أي أثر الرحمة فيمن قرأ بالإفراد، ومن قرأ بالجمع فالفعل مسند لله تعالى وهو يحتمل في الإِفْرَادِ والجَحْدَرِيُّ وأَبو حَيْوَة وابْنُ السَّمَيْقع " تُحْيِي " بتاء التأنيث وفيها تخريجان أظهرهما : ان الفاعل عائد على الرحمة.
والثاني : قاله أبو الفصل عائد على " أَثَرِ " وأنت " أثر " لاكتسابه بالإضافة التأنيث كنظائر (له) تقدمت، وَرُدَّ عليه بأن شرط ذلك كون المضاف (بمعنى المضاف) إليه أو من سببه لا اجنبياً، وهذا أجنبي و " كَيْفَ يُحْيِي " معلق " لأنْظُرْ " وهو في محل نصب على إسقاط الخافض.
وقال أبو الفتح : الجملة من " كَيْفَ يُحْيي " في موضع نصب على الحال حملاً على المعنى انتهى.
وكيف تقع جملة الطلب حالاً ؟ وأراد برحمة الله هنا المطر أي انْظُرْ إلى حسن تأثيره في الأرض كيف يحيي الأرض بعد موتها ؟ !.
قوله :﴿إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْييِ الْمَوْتَى ﴾ أي إن ذَلك الذي يُحيِي الأرض لمُحْيِي الموتى، فأَتَى باللام المؤكدة لاسم الفاعل.
٤٢٦
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤٢٣