استماع الميت والأصم وأثبت إسماع المؤمن بآياته لزم أن يكون المؤمن حيّاً سميعاً وهو كذلك لأن المؤمنَ ينظر في البراهين ويسمع زواجر الوعظ فتظهر منه الأفعال الحسنة ويفعل ما يجب عليه فهم مسلمون مطيعون كما قال تعالى (عهنم) :﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ [البقرة : ٢٨٥].
قوله :﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ﴾ لما أعاد دليل الآفاق بقوله :﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ﴾ [الروم : ٤٨] أعاد دليلاً من دلائل الأنفس أيضاً وهو خلق الآدمي وذكر أحواله فقال :﴿خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ﴾ أي (بأذى ضعف) كقوله :﴿أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ﴾ [المرسلات : ٢٠]، وقرىء :" ضُعْف " بضم الضاد، وفتحها، فالضم لُغة قريش، والفتح لغة تميم " " مِنْ ضَعْف " أي من نطفة.
وتقدم الكلام في القراءتين والفرق بينهما في الأنفال، ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً﴾ (أي) من بعد ضعف الطفولية شباباً وهو وقت القوة ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً﴾ هَرَماً " وَشَيْبَةً " والشيبة هي تمام الضعف ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ﴾.
(فإن قيل : ما الحكمة في قوله ههنا :﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ ) فقدم العلم على القدرة، وقولِهِ من قبل :﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ والعزة إشارة إلى كما القدرة، والحكمة إشارة إلى كمال العلم، فقدم القدرة هناك على العلم ؟ !.
فالجواب أن المذكور هناك الإعادة ﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ لأن الإعادة بقوله :" كُنْ فَيَكُونَ " فالقدرة هناك أظهر وههنا المذكور الإبداء وهو أطوارٌ وأحوالٌ والعلم بكل حال حاصل فالعلم هَهُنا أظهر ثم إن قوله تعالى :﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ فيه تبشير وإنذار ؛ لأنه إذا كان عالماً بأحوال الخلق يكون عالماً بأحوال المخلوق فإن علموا خيراً علمه ثم إذا كان قادراً فإذا علم الخير أثاب، وإذا علم الشر عاقب، ولما كان العلم بالأحوال قبل الإثابة والعقاب اللَّذَيْن هما بالقدرة (والعلم) قدم العِلم، وأما الآية الأخرى فالعلم بتلك الأحوال قبل العقاب فقال :﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
٤٢٩
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤٢٧
قوله :﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ يحلف المشركون " مَا لَبِثُوا " في الدنيا " غَيْرَ سَاعَةٍ " أي إلا ساعة، لما ذكر الإعادة والإبداء ذكره بذكر أحوالها ووقتها.
قوله :" مَا لَبِثُوا " جواب قوله " يُقْسِمُ " وهو على المعنى ؛ إذا لو حكى قولهم بعينه لقيل : ما لبثنا، والمعنى أنهم استلقوا أجل الدينا لما عاينوا الآخرة.
وقال مقاتل والكلبي : ما لبثوا في قبورهم غير ساعة كما قال :﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا﴾ [النازعات : ٤٦] وقوله :﴿يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا ااْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ﴾ [الأحقاف : ٣٥].
قوله :" كَذَلِكَ " أي مثْلُ ذَلِكَ الإفك " كانَوا يُؤفَكُونَ " أي يصرفون عن الحق في الدنيا، وقال الكلبي ومقاتل كذبوا في (قبورهم) قولهم غير ساعة كما كذبوا في الدنيا أن لا بعث، والمعنى أن الله تعالى أراد يَفْضَحَهُمْ فحلفوا على شيء (يتبين) لأهل الجمع أنهم كاذبون، ثم ذكر إنكار المؤمنين عليهم فقال :﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ أي فيما كتب الله لكم في سابق علمه في اللَّبث في القبور.
وقيل : في كتاب الله في حُكْم الله أي فيما وعد به في كتابه من الحشر والبعث فيكون " في كتاب الله " متعلقاً " بلَبِثْتُم " وقال مقاتل وقتادة : فيه تقديم وتأخير معناه وقال الذين أوتوا العلم بكتاب الله والإيمان لقد لبثتم إلى يَوْم البَعْثِ.
٤٣٠
و " في " تَرِدُ بمعنى الباء [و] العامة على سكون عين " البَعْثِ " والحسن بفتحها، وقرىء، بكسرها، فالمكسور اسم، والمفتوح مصدر.
قوله :﴿فَهَـاذَا يَوْمُ الْبَعْثِ﴾ في الفاء قولان : اظهرهما : أنها عاطفة هذه الجملة على " لَقَدْ لَبِثْتُمْ ".
وقال الزمخشري هي جواب شرط مقدر كقوله :
٤٠٤٦ - فَقَدْ جِئْنَا خُرَاسَانَا
كأنه قيل : إن صحَّ ما قلتم إن " خرسان " أقصى ما يراد بكم وآن لنا أن نخلص وكذلك إن كنتم منكرين فهذا يوم البعث، ويشير إلى البيت المشهور.
٤٠٤٧ - قالوا خُرَاسان أقْصَى ما يُرادُ بِنَا
قُلْنَا القُفُول فَقَدْ جِئْنَا خُرَاسَانَا
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤٣٠


الصفحة التالية
Icon