صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} [الآية : ٤٤] لأن الذكر في الروم كان للترهيب ولذلك قال :﴿يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ﴾ [الروم : ٤٣] فقدم التخويف، وههنا الذكر للترغيب ؛ لأن وعظ الأب للابن يكون بطريق اللطف.
والوعد.
قوله :﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ﴾ هذا عطف على ما تقدم والتقدير آتينا لقمان الحكمة حين جعلناه شاكراً في نفسه، وحين جعلناه واعظاً لغيره.
قوله :" يا بُنَيَّ " قرأ ابن كثير بإسكان الياء وفتحها حفصٌ والباقون بالكسر ﴿لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ﴾ بدأ في الوعظ بالأهم وهو المنع من الإشراك وقال :﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾، أما أنه ظلم فلأنه وضع النفس الشريفة المكرمة في عبادة الخسيس، فوضع العبادة في غير موضعها.
قوله :﴿وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ﴾ لما منعه من العبادة لغير الله والخدمة قريبٌ منها في الصورة بين أنها غير ممتنعة بل هي واجبة لغير الله (في بعض الصور) كخدمة الأبوين ثم بين السبب فقال :" حَمَلَتْهُ أُمُّهُ " يعني لله على العبد نعمة الابتداء بالخلق ونعمة الإبقاء بالرزق أي صارت بقدرة الله سبب وجود فإنها حملته وبرضاه حصل التربية والبقاء.
قوله :﴿وَهْناً عَلَى وَهْنٍ﴾ يجوز أن ينتصب على الحال من (أُمُّهُ) أي ضَعْفاً على ضعف.
وقال ابن عباس : شدة عل شدة، وقال مجاهد : مشقة بعد مشقة وقال الزجاج : المرأة إذا حَمَلَتْ توَالَى عليها الضعف والمشقة، وقيل : الحمل ضعف والوضع ضعف، وقيل : منصوب على إسقاط الخافض أي في وهنٍ.
قال أبو البقاء :" وعلى وهن " صفة له " الوَهْناً ".
وقرأ الثَّقَفِي وأبو عمرٍو - في رواية - وَهَنا
٤٤٥
على وَهَنٍ - بفتح الهاء فيهما - فاحتمل أن تكونا لغتين كالشَّعْرِ والشَّعرِ، واحتمل أن يكون المفتوح مصدر " وَهِنَ " بالكسر يَوهَنُ وَهناً.
قوله :" وفصاله " قرأ الجَحْدِرِيُّ وقتادةُ وأبُو رَجَاء والحسنُ " وفَصْلُهُ " دون ألف - أي وفِطامُهُ في عامين.
فإن قيل : وصى الله بالوالدين، وذكر السبب في حق الأم مع أن الأب وجد منه الحشر من الأم لأنه حمله في صلبه سنين ورباه بكسبه سنين فهو أبلغ.
فالجواب : أن المشقة الحاصلة للأم أعظم فإن الأبَ حمله خلفة لكونه من جملةِ جَسَدِهِ، والأم حملته ثقلاً آدميّاً مودع فيها وبعد وضعه وتربيته ليلاً ونهاراً وبينهما ما لا يخفى من المشقة.
قوله :" أَنْ اشْكُرْ " في " أن " وجهان : أحدهما : أنها مفسرة.
والثاني : أنها مصدرية في محل نصب ـ " وصّينا " قاله الزجاج، لما كان الوالدان سببَ وجود الولد والموجد في الحقيقة للولد والوالدين هو الله أمر بأن يشكر قبلهما.
ثم بين الفرق بين " إِلَيَّ المَصِيرُ " أي المرجع، قال سفيان بن عيينة في هذه الآية من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله، ومن دعا للوالدين في أَدْبَار الصَّلَوَاتِ الخَمْس فقد شكر الوالدين.
قوله :﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا﴾ يعني أن خدمتهما واجبة، وطاعتهما لازمة ما لم يكن فيها ترك طاقة الله فإن أفضى إليه فلا تُطِعْهُما، وتقدم تفسير الآية في العنكبوت.
وقوله :" مَعْرُوفاً " صفة لمصدر محذوف أي صِحَاباً مَعْروفاً وقيل : الأصل : بمعروف.
قوله :﴿واتبع سبيل من أناب إليّ﴾ أي دين من أقبل إلى طاعتي وهو النبي - ﷺ -
٤٤٦
قال عطا عن ابن عباس : يريد : أبا بكر، وذلك انه حين أسلم أتاه عثمانُ وطلحة والزبير وسعدُ بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عَوْف وقالوا له :(لقد) صَدَّقْتَ هذا الرجل وآمنت به قال نعم هو صادق فآمنوا ثم حملهم إلى النبي - ﷺ - حتى أسلموا وهؤلاء لهم سابقة الإسلام أسلموا بإرشاد أبي بكر قال الله (تعالى) :﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾ يعني أبا بكر.
قوله :" إِلَي " متعلق " بأَنَاب " ثم " إِليَّ " متعلق بمحذوف لأنه خبر " مرجعكم " فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تعملون.
قيل : نزلت هاتان الآيتان في سَعْدِ بْنِ أبي وَقَّاص وأمِّه، وقيل : الآية عامة.
قوله :﴿يا بُنَيَّ إِنَّهَآ﴾ هذا الضمير يرجع إلى الخطيئة، وذلك أن ابنَ لقمان قال لأبيه : يا أبت إنْ عملت الخطيئةَ حيث لا يراني أحد كيف يعلمها (الله) ؟ فقال :﴿يا بُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ﴾.
قوله :" إِنْ تَكُ " الضمير ضمير القصة، والجملة الشريطة مفسرة (للضمير)، وتقدم أن نافعاً يقرأ مِثْقَال بالرفع على أن كَانَ تامة وهو فاعلها وعلى هذا فيقال : لم ألحقت فله تاء التأنيث ؟ قيل : لإضافته إلى مؤنث ؛ ولأنه بمعنى " زِنَةُ حَبَّةٍ "، وجوز الزمخشري في ضمير " إِنَّهَا " أن تكون للحبة من السيئات والإحسان في قراءة من نصب " مِثْقَال ".
وقيل : الضمير يعود على ما يفهم من سياق الكلام أي إنَّ التي سألتَ عنها (إنْ تَكُ)، قال المفسرون : إنه سأل أباه أرأيت الحَبَّةَ تقع في مغاص البحر يعلمها الله ؟.
٤٤٧