أحدهما : التكبر على الغير لكونه مكملاً له.
والثاني : التبختر في المشي لكونه كاملاً في نفسه فقال :﴿وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ﴾ تكبراً ﴿وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً﴾ أي خُيَلاَءَ ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ في نفسه " فَخُورٍ " على الناس بنفسه.
قوله :" واقْصِدْ " (هذا قاصر) بمعنى اقْتَصِدْ واسلُك الطريقة الوسطى بين ذلك قَوَاماً أي ليكن مشيك قصداً لا تخيلاً ولا إسراعاً.
وقال عطاء : امشِ بالوَقَار والسكينة لقوله :﴿يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً﴾ [الفرقان : ٦٣].
(وقُرِىءَ) " وأَقْصِدْ " بهمزة قطعٍ من أَقْصَدَ إذا سَدَّدَ سهمه للرَّمْيَةِ.
قوله :﴿وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ﴾ من تَبْعيضيَّه، وعند الأخفش يجوز أن تكون زائدة، ويؤيده قوله ﴿يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ﴾ [الحجرات : ٣].
وقيل :" من صوتك " صفة لموصوف محذوف أي شيئاً من صوتك، وكان الجاهلية يتمدحون برفع الصوت، قال :[من المتقارب] : ٤٠٥٢ - جَهِيزَ الكَلاَمِ جَهِيرَ العُطَاسِ
جَهِيرَ الرُّوَاءِ جَهِيرَ النّعَمْ
والمعنى أَنْقِصْ من صوتك، وقال مقاتل : اخفض من صوتك.
فإن قيل : لِمَ ذكر المانع من رفع الصوت ولم يذكر المانع من سرعة المشي ؟.
فالجواب : أن رفع الصوت يؤذي السامع ويقرع الصِّمَاخ بقوته، وربما يخرقُ الغِشَاء الذي داخل الأذن، وأما سرعة المشيء فلا تؤذي وإن أذت فلا يؤذي غير في طريقه والصوت يبلغ من على اليمين وعلى اليسار ولأن اللمس يؤذي آلة اللمس والصوت
٤٥١
يؤذي آلة السمع، وآل السمع على باب القلب فإن الكلامَ ينتقلُ من السمع إلى القلب ولا كذلك اللمس وأيضاً فلأن قبيحَ القول أقبح من قبيح الفعل وحسنه أحسن لأن اللسان تَرْجُمانُ القلب.
قوله :" إِنَّ أَنْكَرَ " قيل : أنكر مبنيٌّ من مبنيٍّ للمفعول نحو :" أشْغَلُ مشنْ ذَاتِ النّْيَيْنِ "، وهو مختلف فيه ووحد " صوت " لأنه يراد به الجنس ولإضافته لجمع، وقيل : يحتمل أن يكون " أنكر " من باب " أطوع له من بنانه " ومعناه أشدّ طاعةً.
فإن " أفْعَلَ " لا يجيء (في) " مُفْعَل ولا في " مفْعُول " ولا في باب العيوب إلا ما شَذَّ كقولهم " أَطْوَعُ مِنْ كَذَا " للتفضيل على مُطِيع و " أَشْغَلُ مِنْ ذَاتِ النِّحْيَيْن و " أحْمَقُ (مِنْ فُلانُ " ) من باب العيوب، وعلى هذا فهو من باب " أفعل " كأَشْغَلَ في باب مَفْعُولٍ فيكون للتفضيل على المنكر.
أو نقول هو من باب " أَشْغَل " مأخوذ من نُكِرَ الشيءُ فهو مَنْكُورٌ، وهذا أنْكَرُ مِنْه، وعلى هذا فله معنى لطيف وهو أن كل حيوان قد يفهم من صوته بأنه يصيح من ثِقَل أو تعب كالبَعير أو لغير ذلك والحمار لو مات تحت الحمل لا يصيح ولو قتل لا يصيح وفي بعض أوقات عدم الحاجة يصيح وينهقُ بصوتٍ مُنْكَر (فيمكن) أن يقال : هو من نكير كأَحَدَّ من حَدِيدٍ.
فإن قيل : كيف يفهم كونه أنكر الأصوات مع أن حزَّ المِنْشَار بالمبرد ودق النحاس بالحديد أشد صوتاً ؟ !
٤٥٢
فالجواب من وجهين : الأول : أن المراد أنكر أصوات الحيوانات صوتاً الحميرُ فلا يَردُ السؤال.
الثاني : أن الآمر بمصلحة وعبادة لا ينكر صوته بخلاف صوت (الحمير).
فصل قال مقاتل : اخْفِضْ مِنْ صوتك ﴿إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ﴾ أقبح الأصوات ﴿لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ أوله زَفيرٌ، وآخره شهيقٌ وهما صوت (أهل النار) وقال موسى بن أعين سمعت سفيان الثوري يقول في قوله تعالى :﴿إن أنكر الأصوات لصوت الحمير﴾ قال صياح كل شيء تسبيح لله تعالى إلا الحمار وقال جعفر الصادق في قوله تعالى :﴿إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ قال : هي العطسة القبيحة المنكرة، قال وهب تكلم لقمان اثْنَي عشَرَ ألْف كلمةٍ من الحكمة أدخلها الناس في كلامهم ومن حكمه : قال خالد الريعي كان لقمان عبداً حبشياً فدفع (له) مولاه إليه شاة فقال اذبحها فأتِنِي بأطيبِ مُضْغَتَيْنِ مِنْها فأتاه باللِّسان والقَلْب فسأله مولاه فقال : ليس شيء أطْيَبَ منهما إذا طابا ولا أخبثَ منهام إذا خَبُثَا.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤٤٢
٤٥٣


الصفحة التالية
Icon