نفى عنه أن يَجْزِي ثم وصفه بأنه جازٍ، وقد يجاب عنه : بأنه وإن كان جازياً عنه في الدنيا فليس جازياً عنه يوم القيامة، (فالحالان) باعتبار زمنين.
وقد منع المَهْدَوِيُّ أن يكون مبتدأ، قال لأن الجملةَ بعده صفة له فيبقى بلا خبر، ولا مسوغ غير الوصف، وهو سهو لأن النكرة متى اعتمدت على نفي سَاغَ الابتداء بها، وهذا من أشهر مسوغاته، وقال الزمخشري : فإن قلت :(قوله) ﴿وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً﴾ هو وارد على طريق من التوكيد لم يرد عليه ما هو معطوف عليه قلتُ : الأمر كذلك لأن الجملة الاسمية آكد من الفعلية، وقد انضم إلى ذلك قوله :" هُو " وقوله :" مَوْلُودٌ " قال : ومعنى التوكيد في لفظِ المولود أن الواحد منهم لو شفع للوالد الأدنى الذي ولد منه لم يقبل منه، فضلاً أن يشفع لمن فوقه مِنَ أجداده ؛ لأن الولد يقع على الولد وولد الولد بخلاف المولود فإنه الذي ولد منك قال : والسبب في مجيئه على هذا السَّنَنِ أن الخطابَ للمؤمنين وعلْيتهِمْ قبض آباؤهم في الكفر فأريد حسم أَطْمَاعِهِمْ وأطماع الناس فيهم.
والجملة من قوله " لاَ يَجْزِي " صفة (ليوم)، والعائد محذوف أي (فِيهِ) فحذف برُمَّته أو على التدريج، وقرأ عكرمة " لاَ يُجْزَى " مبنياً للمفعول، وأَبُوا السَّمَّالِ، وأبو السّوّار لا يُجْزىء بالهمز من " أجْزَأَ عَنْهُ " أي أغنى، وقوله " شيئاً " منصوب على المصدر وهو من الإعمال، لأن " يَجْزِي " و " جَازٍ " يَطْلُبَانِهِ، والعامل " جَازٍ " على ما هو المختار للحذف من الأول.
قوله :" فَلاَ تَغُرَّنَكُمْ " العامة على تشديد النون، وابنُ أبي إسْحَاق وابنُ أبي عَبْلَةَ
٤٦٧
ويعقوبُ بالتخفيف وسَمَّاك بنُ حَرْبٍ " الغُرُور " - بالضم - وهو مصدر، والعامة بالفتح صفة مبالغة كَشَكُورٍ صفة مبالغة كَشَكُورٍ وفسر بالشيطان على أنه يجوز أن يكون المضموم مصدراً واقعاً وصفاً للشيطان.
قوله تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ...
الآية، نزلت في الوارثِ بن حارثَة محارب بن خصفة " أتى النبي - ﷺ - من البادية فسأله عن الساعة ووقتها، وقال إن أرضنا أَجْدَبَتْ فمتى ينزل الغيث ؟ وتركت امرأتي حُبْلَى فمتى تلد ؟ وقد علمت أَيْنَ ولدت فبأي أرض أموت ؟ فأنزل الله هذه الآية روي أن النبي - ﷺ - قال :" مَفَاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ علمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " قال ابن الخطيب : قال بعض المفسِّرينَ : إن الله تعالى نفى (علم) أمور خمسة عن غيره بهذه الآية وهو كذلك لكن المقصودَ ليس ذلك لأن اللَّهَ يعلمُ الجوهر الفرد والطوفان وتقلب الريح من المشرِق إلى المغرب كَمْ مرةً ويعلم أين هُوَ ولا يعلمه غيره ويعلم أنه (ذَرَّهُ) في بَريَّة لا يسلكها أحد ولا يعلمها غيره فلا وجه لاختصاص هذه الأشياء بالذكر وإنَّ الحق فيه أن نقول لما قال : اخْشَوا يوماً لا يجْزي والد عن ولده وذكر أنه كائن بقوله :﴿إن وعد الله حق﴾ كأن قائلاً قال : فمَتَى يكون هذا اليوم ؟ فأجيب بأن هذا العلم مما لَمْ يَحْصُل لغير الله ولكن هو كائن.
قوله :" مَاذَا تَكْسبُ " يجوز أن تكون " ما " استفهامية فتعلق الدراية، وأن تكونَ موصولة فينتصب بها، وقد تقدم حكم " مَاذَا " أول الكتاب وتكرر في غَضونِهِ.
قوله :﴿بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ " بأَيِّ أَرْضٍ " متعلق " بتَمُوتُ " وهو متعلق للدراية فهو في محل نَصْبٍ، وقرأ أُبَيُّ بن كعب وموسى الأهوازيّ " بأية أرض " على تأنيثها، وهي
٤٦٨
لغة ضعيفة كتأنيث " كُلّ " حيث قالوا : كُلُّهُنَّ (فَعَلْنَ ذَلِكَ) والمشهور بأيِّ أرض ؛ لأن الأرض ليس فيها من علامات التأنيث شيء، وقيل : أراد بالأرض المكان.
نقله البغوي والباطن فيه بمعنى في أي (في) أرضٍ نحو : زَيْدٌ بِمَكَّةَ أي فيها، ثم قال :﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ﴾ لما خصص أولاً علمه بالأشياء المذكورة بقوله :﴿إن الله عنده علم الساعة﴾ ذكر أن علمه غير مختصّ بل هو عليم ملطقاً بكل شيء وليس علمه بظاهر الأشياء فقط بل هو خبير بظواهر الأشياء وبواطنها.
روى الثعلبي عن أُبَيِّ بن كعب قال : قال رسول الله - ﷺ :" مَنْ قَرََأ سُورَةُ لُقْمَان كان له لقمانُ رفيقاً يوم القيامة وأعْطِيَ من الحسنات عشراً بعدد من عَمِلَ بالمعروف ونَهَى عن المنكر "
٤٦٩
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٤٦٦


الصفحة التالية
Icon