السموات) ولم يخلقها إلا واحد فلا إله إلا واحدٌ.
وقد تقدم الكلام في معنى قوله " ستة أيام ".
قوله :﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ اختلف العلماء في هذه الآية ونظائرها على قولين : أحدهما : ترك التعرض إلى بيان المراد.
والثاني : التعرض إليه.
والأول أسلم ؛ لأن صفة الاستواء مما لا يجب العلم بها فمن لم يتعرض إليه لم يترك وابجاً ومن تعرض إليه فقد يخطر فيعتقد خلاف ما هو عليه فالأول غاية ما يلزمه أنه لا يعلم، والثاني يكاد يقع في أن يكون جاهلاً وعدم العلم والجهل المركب كالسكوت والكذب ولا شك أن السكوتَ خيرٍ من الكذب وأيضاً فإنه أقرب إلى الحكمة لأن من يطالع كتاباً صنفه إنسانٌ وكتب له شرحاً والشارحُ دون والمصنِّف فالظاهر أنه لا يأتي على جميع ما أتى عليه المصنف ولهذا كثيراً ما نرى أن الإنسان يورد الإشكالات على المصنَّف المتقدم ثم يجيء من ينصر كلام المصنِّفِ ويقول : لم يرد المصنف هذا وإنما أراد كذا وكذا، وإذا كان حال الكتب الحادثة التي تكتب من علم قاصر هكذا فما ظنك بالكتاب العظيم الذي فيه كل حكمة كيف يجوزُ أن يدعي جاهلٌ أني علمت كل سر في هذا الكتاب ؟ فلو ادعى عالم أني علمت كل سر وكل فائدة يشتمل عليها الكتاب الفُلاَنِيّ يستقبح منه ذلك فكيف من يدعي أنه علم كل ما في كتاب الله ؟ (وَلَيْسَ لقائلٍ أن يقول : بأن الله بين كل ما أنزله) ؛ لأن تأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز.
ولعل في القرآن ما لا يحتاج إليه أحد غيرَ نبيه فبين له لا لغيره.
وإذا ثبت هذا علم أن في القرآن ما لا يعلم، وهذا أقرب إلى ذلك (الذي) لا يعلم للتشابه البالغ الذي فيه.
قوله :﴿مَا لَكُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ﴾.
لما ذكر أن الله خالق السموات والأرض قال بعضهم : نحن معترفون بأن خالق السموات والأرض واحد هو إله السموات والأرض وهذا الأصنام صور كواكب منها نصرتنا وقوتنا.
وقال آخرون : هذه صورة ملائكة شفعاء لنا عند الله، فقال تعالى : لاَ إله غير الله،
٤٧٣
ولا نصرة من غير الله، ولا شفاعة إلا بإذْن الله فعبادتكم لهذه الأصنام باطلة ضائعة.
ثم قال :" أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ " ما علمتموه من أنه خالق السموات والأرض، وخالق لهذه الأجسام العِظَام، لا يقدر عليه مثل هذه الأصنام حتى ينصروكم وتكون لها شفاعة.
قوله :﴿ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ﴾ لما بين الخلق بين الأمر كما قال تعالى :﴿أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾ [الأعراف : ٥٤] يحكم الأمر، وينزل القضاء، والقدر من السماء إلى الأرض.
وقيل : ينزل الوحي مع جبريل - عليه السلام - بالأمر.
قوله :﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَآءِ إِلَى الأَرْضِ﴾ العاملة على بنائه للفاعل.
وابن أبي عبلة على بنائه للمفعول.
والأصل يعْرُجُ بِهِ، ثم حذف الجار فارتفع الضمير واستتر.
وهو شاذ يصلح لتوجيه مثلها، والمعنى : أن أمره ينزل من السماء على عباده ويعرج إليه أعمالهم الصالحة الصادرة على موافقة ذلك الأمر.
قوله :﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ (أي في يوم واحد يعني نزول وعروج العمل في مسافة ألف سنة مِمَّا تَعُدُّونَ)، وهو بين السماء والأرض فإن مسافته خمْسُمِائَةِ سنةٍ (فينزل في مسيرة خمسمائة سنة ويعرج في خمسمائة سنة فهو مقدار ألف سنة) يقول لو سار أحد من بني آدم لم يقطعه إلا في ألأف سنة والملائكة يقطعونه في يوم واحد هذا في وصف عروج الملائكة من الأرض إلى السماء وأما قوله :﴿تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج : ٤] أراد مدة المسافة من الأرض إلى سدرة المنتهى التي هي مقام جبريل - عليه السلام - يسير جبريل والملائكة الذين معه من أهل مقامه مسيرةَ خَمْسِين ألف سنة في يوم واحد من أيام الدنيا.
قاله مجاهد والضحاك، وقيل : إن ذلك إشارة إلى امتداد نفاذ الأمر وذلك لأن من نفذ أمره غَايَةَ النَّفاذ في يوم أو يومين وانقطع لا يكون مثل من ينفذ أمره في سنينَ متطاولةٍ، فقوله :﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾، يعني يدبر الأمر في زمان يوم منه ألف سنة فكم يكون شهر منه (وكَمْ تكونُ سنة) منه وكم يكون دهر منه، وعلى هذا فلا فرق بين هذا وبين قوله :﴿مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ لأن ذلك (إذا كان إشارة إلى دوام إنفاذ الأمر،
٤٧٤