والثاني : أن يكون ما بعدها مفرداً أو مؤولاً بمفرد كهذه الآية، فإن الجملة فيها بتأويل مفرد كما تقدم، وجوابها أحد الشِّيئين أو الأشياء، ولا تجاب بـ " نعم " ولا بـ " لا "، فإن فقد الشرط سميت منقطعة ومنفصلة، وتقدر بـ " بل والهمزة "، وجوابها " نعم " أو " لا " ولها أحكام أخر.
و " لم " حرف جزم معناه نفي الماضي مطلقاً خلافاً لمن خصَّها بالماضي المنقطع، ويدلّ على ذلك قوله تعالى :﴿وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً﴾ [مريم : ٤] ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ [الإخلاص : ٣].
وهذا لا يتصور فيه الانقطاع، وهي من خواصّ صيغ المضارع إلاّ أنها تجعله ماضياً في المعنى كما تقدم.
وهل قلبت اللفظ دون المعنى أو المعنى دون اللفظ ؟
٣١٠
قولان : أظهرهما الثاني : وقد يحذف مجزومها كقوله :[الكامل] ١٤٥ - إِحْفَظْ وَدِيعَتَك الَّتِي اسْتُودِعْتَهَا
يَوْمَ الأَعَازِبِ، إِنْ وَصَلْتَ، وإِنْ لَمِ
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٠٧
و " الكفر " أصله : الستر ؛ ومنه :" الليل الكَافِرُ " ؛ قال :[الرجز] ١٤٦ - فَوَرَدَتْ قَبْلَ انْبِلاَجِ الفَجْرِ
وَابْنُ ذُكَاءٍ كَامِنٌ فِي كَفْرِ
وقال [الكامل] ١٤٧ - فَتَذَكَّرَا ثَقَلاً رَثِيداً بَعْدَمَا
أَلْقَتْ ذُكَاءُ يَمِينَهَا فِي كَافِرِ
والكفر - هنا - الجحود.
وقال آخر :[الكامل] ١٤٨ -.......................
فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمَامُهَا
قال أبو العباس المقرىء : ورد لفظ " الكفر " في القرآن على أربعة أَضْرُبٍ : الأول : الكُفْر بمعنى ستر التوحيد وتغطيته قال تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ﴾ ؟ الثاني : بمعنى الجُحُود قال تعالى :﴿فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ﴾ [البقرة : ٨٩].
الثالث : بمعنى كفر النّعمة، قال تعالى :﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ﴾ [إبراهيم : ٧] أي : بالنعمة، ومثله :﴿وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ﴾ [البقرة : ١٥٢] وقال تعالى :﴿أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾ [النمل : ٤٠].
الرابع : البراءة، قال تعالى :﴿إِنَّا بُرَءآؤاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ﴾ [الممتحنة : ٤] أي : تبرأنا منكم، وقوله :﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ﴾ [العنكبوت : ٢٥].
و " سواء " اسم معنى الاستواء، فهو اسم مصدر، ويوصف على أنه بمعنى مستوٍ، فيحتمل حينئذٍ ضميراً، ويرفع الظاهر، ومنه قولهم :" مررت برجل سواء والعدم " برفع
٣١١
" العدم " على أنه معطوفٌ على الضمير المستكنّ في " سواء "، وشذ عدم بمعنى :" مثل "، تقول :" هما سِيّان " بمعنى : مِثْلان، قال :[البسيط] ١٤٩ - مَنْ يَفْعَلِ الْحَسَنَاتِ اللهُ يَشْكُرُهَا
وَالشَّرُّ بِالشَّرِّ عِنْدَ اللهِ سِيَّانِ
على أنه قد حكي سواءان.
وقال الشاعر :[الطويل] ١٥٠ - وَلَيْلٌ تَقُولُ النَّاسُ فِي ظُلُماتهِ
سَوَاءٌ صَحِيحَاتً العُيُونِ وَعُورُهَا
فـ " سواء " خبر عن جمع هو " صحيحات "، وأصله : العدل ؛ قال زهير :[الوافر] ١٥١ - أَرُونَا سُبَّةً لا عَيْبَ فِيهَا
يُسَوِّي بِيْنَنَا فِيهَا السَّوَاءُ
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٠٧
أي : يعدل بيننا العدل.
وليس هو الظرف الذي يستثنى به في قولك :" قاموا سواء زيد " وإن شاركه لفظاً.
ونقل ابن عطية عن الفارسي فيه اللغات الأربع المشهورة في " سوى " المستثنى به، وهذا عجيب فإن هذه اللغات في الظرف لا في " سواء " الذي بمعنى الاستواء.
وأكثر ما تجيئ بعده الجملة المصدرية بالهمزة المُعَادلة بـ " أم " كهذه الآية، وقد تحذف للدلالة كقوله تعالى :﴿فَاصْبِرُوا ااْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ﴾ [الطور : ١٦] أي : أصبرتم أم لم تصبروا، وقد يليه اسم الاستفهام معمولاً لما بعده كقول علقمة :[الطويل] ١٥٢ - سَوَاءٌ عَلَيْهِ أَيَّ حِينٍ أَتَيْتَهُ
أَسَاعَةَ نَحْسٍ تُتَّقَى أَمْ بأَسْعَدِ
فـ " أي حين " منصوب بـ " أتيته "، وقد يعرى عن الاستفهام، وهو الأصل ؛ نحو :[الطويل]
٣١٢
١٥٣ -.................
سَوِاءٌ صَحِيْحاتُ العُيُونِ وَعُورُهَا