قال السدي المعنى فلا تكن في مِرْيَةٍ من لقائه أي تلقى موسى كتاب الله بالرضا والقبول.
الثالث : أي يعود على الكتاب على حذف مضاف أي من لقاء مثل كتاب موسى.
الرابع : أنه عائد على ملك الموت لتقدم ذكره.
الخامس : عوده على الرجوع المفهوم من قوله :﴿إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ [السجدة : ١١] أي لأنك في مرية من لقاء الرجوع.
السادس : أنه يعود على ما يفهم من سياق الكلام مِمَّا ابتلي ب موسى من البلاء والامْتِحَان، قاله الحسن.
أي لا بدّ ان يلقى ما لقي موسى من قومه فاختار موسى عليه السلام لحكمة وهي أن أحداً من الأنبياء لم يؤذِهِ من قومه إلا الذين لم يؤمنوا، وأما الذين آمنوا به فلم يخالفوه غير قوم موسى عليه السلام فإن من لا آمن به آذاه كفرعون (وغيره) ومن آمن به من بني إسرائيل أيضاً (آذاه) بالمخالفة وطلب أِياء مثل رؤية الله جهرة وكقولهم :﴿فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا اا﴾ [المائدة : ٢٤].
وأظهر هذه الأقوال أن الضمير إما لموسى وإما للكتاب، ثم بين (أن له هداية غير عادية عن المنفعة كما أنه لم تحل هداية موسى حيث جعل الله كتاب موسى هدى) وجعل منهم أئمة يهدون كذلك يجعل كتابك هدى ويجعل من أمتك صاحبة يهدون كما قال النبي - ﷺ - :" أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُم اهْتَدَيْتُمْ "، ثم بين أن ذلك يحصل بالصبر فقال :﴿ولَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾.
فصل " لَمَّا صَبَرُوا " قرأ الأخوان بكسر اللام وتخفيف الميم، على أنها لام الجر و ( " ما " ) مصدرية، والجار متعلق بالجعل أي جعلناهم كذلك لصبرهم ولإيقانهم، والباقون بفتحها وتشديد الميم.
وهي " لمَّا " التي تقتضي جواباً وتقدم فيها
٤٩١
قولا سيبويه والفارسي، والمعنى حين صبروا على دينهم وعلى البلاء من عدوهم بمضّرَ.
قوله :﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقَيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ هذا يصلح أن يكون جواباً لسؤال وهو أنه تعالى لما قال :﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ﴾ فكان لقائل أن يقول : كيف يَهْدُونَ وهم اختلفوا وصاروا فِرَقاً والحق واحد ؟ فقال (الله) يبين المبتدع من المتبع كما يبين المؤمن من الكافر يوم القيامة.
قوله :﴿أَوَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ﴾ بتبين لهم ﴿أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ﴾ لما أعاد ذكر الرسالة أعاد ذكر التوحيد وقال :﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ﴾ وقوله ﴿يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ﴾ أي مساكن المُهْلَكِينَ (لدلالة على حالتهم) وأنتم تمشون فيها وتبصرونها ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ﴾ آيات الله وعِظَاته واعتبر السمع لأنهم ما كان لهم قوة الإدراك بأنفسهم والاستنباط بعقولهم فقال :" أفلا يسمعون " (يعني) ليس لكم درجة المتعلم الذي يسمع الشيء ويفهمه.
قوله :﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ الْمَآءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ﴾ قرىء الجُرْز - بسكون الراء - وتقدم أول الكهف.
وهي الأرض اليابسة الغليظة التي لا نبات فيها، قال ابن عباس : هي أرض باليمن، وقال مجاهد : هي أرض بأنين.
والجرز هو القطع فكأنها المقطوع عنها الماء والنبات.
لما بين الإهلاك وهو الإماتة بين الإحياء ليكون إشارة إلى أن الضرر والنفع بيد الله ثم قال :﴿فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ﴾ من العشب والتبن " وأَنْفُسُهُمْ " من الحبوب والأقوات، وقدم الأنعام على الأنفس في الأكل لوجوه : الأول : أن الزرع أول ما ينبت للدوابِّ ولا يصلح للإنسان.
الثاني : أن الزرع غذاء للدواب لا بدّ منه وأما غذاء الإنسان فقد يصلح للحيوان فكان الحيوان يأكل الزرع ثم الإنسان يأكل من الحيوان.
قوله :" أَفَلاَ يُبْصِرُونَ " قرأ العامة بالغيبة، (وابن مسعود) بالخطاب التفاتاً.
٤٩٢