إنما أنا أمُّ رِجَالِكُمْ فدل هذا على أن معنى هذه الأمومة تحريم نكاحهن.
فصل قال ابن الخطيب : هذا تقرير آخر، وذلك لأن زوجة النبي - عليه السلام - ما جعلها الله في حكم الأم إلا لقطع نظر الأمة عما تعلق به غرض النبي - عليه السلام - فإذا تعلق خاطره بامرأة شاركت زوجاته في التعلق فحرمت مثل ما حرمت أزواجه على غيره.
فإن قيل : كيف قال : وأزواجه أمهاتهم وقال من قبل :﴿ما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم﴾ فأشار إلى أن غير من ولدت لا تصير أمّاً بوجه، ولذلك قال في موضع آخر ﴿إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ﴾ [المجادلة : ٢] ؟.
فالجواب : أن قوله تعالى في الآية المتقدمة :﴿والله يقول الحق وهو يهدي السبيل﴾ جواب عن هذا والمعنى أن الشرع مثل الحقيقة ولهذا يرجع العاقل عند تعذر اعتبار الحقيقة إلى الشريعة كما أن امرأتين (إذا) ادَّعَتْ كل واحدة ولداً (بعينه( ولم يكن لهما بينة وحلفت إحداهما دون الأخرى حكم لها بالولد فعلم أن عند عدم الوصول إلى الحقيقة يرجع إلى الشرع بل في بعض المواضع (على المندوب) تغلبُ الشريعة على الحقيقة فإن الزاني لا يجعل أباً لولدِ الزنا وإن كان ولده في الحقيقة وإذا كان كذلك فالشارع له الحكم فقول القائل : هذه أمي قول (يفهم) لا عن حقيقة ولا يترتب عليه حقيقة وأما قول الشارع فهو حق فله أن يتصرف في الحقائق كم يشاء، ألا ترى أن الأم ما صارت أمَّا إلا بخلق الله الولد في رحمها ولو خلقه في جوف غيرها لكانت الأم غيرها فإذا كان الذي يجعل الم الحقيقة أمَّا فله أن يسمى أي امرأة أمَّا ويعطيها حكم الأمومة.
على الابن لأن الزوجية تحصل الغيرة فإن تزوج بمن كان تحت الأب يُفْضي إلى قطع الرحم والعقوق ولكن النبي - عليه الصلاة والسلام - يربي في الدنيا والأخرة فوجب أن يكون زجاته مثل زوجات الآباء.
٥٠٤
فإن قيل : فَلِمَ لم يقل إن النبي أبوكم ويحصل هذا المعنى أو لم يقل أزواج أبيكم.
فالجواب : ان الحكمة فيه هو النبي (عليه السلام)(مما بينا) أنه إذا أراد زوجة واحدٍ من الأمة وجب عليه تركها ليتزوج بها النبي - عليه (الصلاة و) السلام - فلو قال : أنت أبوهم لحرم عليه زوجات المؤمنين على التأبيد، ولأنه لام جعل أولى بهم من أنفسهم والنفس مقدمة على الأب لقوله ( - عليه السلام - ) :" ابْدَأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ " ولذلك فإن المحتاج (إلى القوت) لا يجب عليه صرفه إلى (الأب ويجب عليه صرفه إلى) النبي - ﷺ - ثم إن أزواجه لهم حكم أزواج الأب حتى لا تحرم أولادهن على المؤمنين ولا أخواتهن ولا أمهاتهن وإن كان الكل يحرمن في الأم الحقيقة والرضاعة.
قوله :﴿وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ يعني في الميراث قال قتادة : كان المسلمون يتوارثون بالهجرة قال الكلبي : إخاء رسول الله - ﷺ - بين الناس كان يُؤاخِي بين رجلين فإِذا مات أحَدُهُما وَرِثَهُ الأخَرُ دون عصبته حتى نزلت هذه الآية :﴿وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله﴾ في حكم الله من المؤمنين الذين آخى رسول الله - ﷺ - بينهم والمهاجرين يعني ذوي القرابات بعضهم أولى بميراث بعض من أن يرثوا بالإيمان والهجرة فنسخت هذه الآية الموارثة بالمؤاخاة والهجرة فصارت بالقَرَابة وبعضهم يجوز فيه وجهين : أحدهما : أن يكون بدلا من أولو.
والثاني : أنه مبتدأ، وما بعده خبر، والجملة خبر الأول.
قوله :﴿فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ يجوز أن يتعلق " بأُولِي " إلا أن أفعل التفضيل يعمل في الظرف، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من الضمير في أولو والعمل فيها أولو لأنها شبيهة بالظرف ولا جائز أن يكون حالاً (من أولو) للفصل بالخَبَرِ ولأنه لا عامل فيها.
٥٠٥


الصفحة التالية
Icon