قوله تعالى :﴿ يا أيها النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ الآية وجه التعلق (هو) أن مكارم الأخلاق منحصرة في شيئين التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله وإلى هذا أشار عليه (الصلاة و) السلام بقوله :" الصَّلاَةَ وَمَا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمْ "، فاللَّه (تعالى لما) أرشد نبيه إلى ما يتعلق بجانب التعظيم لله بقوله :﴿يأيها النبي اتق الله﴾ [الأحزاب : ١] ذكره ما يتعلق بجانب الشفقة وبدأ بالزوجات فإنهن أولى الناس بالشفقة ولهذا قَدَّمَهُنَّ في النفقة.
فصل قال المفسرون : سبب نزلو هذه الآية نساء النبي - ﷺ - (سَأَلْنَهُ) عن عرض الدنيا (شيئاً) وطلبن منه زيادة في النفقة وآذينه بغيرة بعضهن على بعض فهجرهن رسول الله - ﷺ - وآلى أن لا يقربهن شهراً ولا يخرج إلى أصحابه فقالوا ما شأنه وكانوا يقولون طلق رسول الله - ﷺ - نساءه فقال عمر : لأعلَمنَّ لكم شأنه قال : فدخلت على رسوله الله - ﷺ - فقلت يا رسول الله : أطلقتهن قال : لا، فقلت : يا رسول الله إني
٥٣٤
دخلت المسجد والمسلمون يقولون طلق رسول الله - ﷺ - نساءه أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن قال : نعم إنْ شِئْتَ فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي لم يطلق رسول الله - ﷺ - نساءه ونزلت هذه الآية :﴿وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء : ٨٣] فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر وأنزل الله آية التخيير وكانت تحت رسول الله - ﷺ - يومئذ تسعُ نسوة خمسٌ من قريش عائشةُ بنت أبي بكرن وحفصةُ بنت عمر، وأمُّ حبيبةَ بنتُ أبي سفيانَ وأمّ سلمةَ بنت أمية، وسودةُ بنت زَمْعة وغير القرشيات زينب بنتُ جحش الأسدية، وميمونةُ بنت الحارث الهلالية وصفية بنت حُيَيّ بن أخطب الخَيْبريَّة وجُوَيْرِيةُ بنت الحارث المُصْطَلِقيَّة، فلما نزلت آية التخيير بدأ رسول الله - ﷺ - بعائشة وكانت أحبهن إليه فخيرها فقرأ عليها (القرآن) فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة.
ورُؤي الفرح في وجه رسول الله - ﷺ - وتابعنها على ذلك، قال قتادة فلما اخْتَرْن الله ورسوله شكرهن الله على ذلك وقصره عليهن فقال :﴿لاَ تَحِلُّ لَكَ النِّسَاْءُ مِنْ بَعْدُ﴾.
وعن جابر بن عبد الله قال :" دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله - ﷺ - فوجد الناس جلوساً ببابه لم يؤذن لواحد منهم قال : فأذن لأبي بكر فدخل ثم اقبل عمر فاستأذن فأذن له فوجد النبي - ﷺ - جالساً حوله نساؤه واجماً ساكناً قال : فقال : لأقولَنَّ شيئاً أُضْحِكُ النبي - ﷺ - فقال : يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فَوَجأْتُ عنقها فضحك النبي - ﷺ - وقال : هن حولي كما ترى يسألنني النفقة فقام أبو بكر إلى عائشة يَجَأُ عُنُقَها وقام عمر إلى حفصة يَجَأُ عنقها كلاهما يقول : تسألن رسول الله - ﷺ - شيئاً أبداً ليس عنده ثم اعتزلهن شهراً أو تسعاً وعشرين يوماً ثم نزلت هذه الآية :﴿ يا أيها النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ﴾ حتى بلغ ﴿لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً﴾ قال : فبدأ بعائشة فقال : يا عائشة إني أعرض عليك أمراً لا أحب أن تعجلي حتى تستشيري أبويك، قالت : وما هو يا رسول الله فتلا عليها الآية فقالت : أفيك يا رسول الله أستشير أَبَويَّ بل اختار الله ورسوله والدار الآخرة وسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت، قال : لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها أنّ الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً مبشراً "، ورى الزهري
٥٣٥