المتواضعين " والخَاشِعَاتِ ".
وقيل : أراد به الخشوع في الصلاة ومن الخشوع أن لا يلتفت " والمُتَصَدِّقينَ " مما رزقهم الله ﴿وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ والصَّائِمِينَ والصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ﴾ عما لا يحِل " والحَافِظَاتِ ".
وحذف مفعول الحافظات لتقدم ما يدل عليه والتقدير : والحَافِظَاتِها وكذلك : والذاكرات، وحسن الحذف رُؤُوس الفواصل ﴿والذاكرين لله كثيراً والذاكرات﴾، قال مجاهد : لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيراً حتى يذكر الله قائماً وقاعداً ومضطجعاً.
وروي " أن النبي - ﷺ - قال سبق المفردون، قالوا : وما المفردُونَ ؟ قال : الذاكرون الله كثيراً والذاكرات " قال عطاء بن أبي رباح من فوض أمره إلى الله عز وجل فهو داخل في قوله :﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ﴾ ومن أقر بأن الله ربه، ومحمداً رسوله، ولم يخالف قلبُه لسانه فهو داخل في قوله :" والمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِنَاتِ " ومن أطاع الله في الفرض، والرسول في السنة فهو داخل في قوله :" والقَانِتِينَ والقَانِتَاتِ " ومن صان قوله عن الكذب فهو داخل في قوله :" والصَّادِقِينَ والصَّادِقَاتِ " ومن صَبَرَ على الطاعة وعن المعصية وعلى الرزية فهو داخل في قوله :" والصابرين والصابرات " ومن صلى ولم يعرف من يمينه عن يساره فهو داخل في قوله :" والخَاشِعِينَ والخَاشِعَاتِ " ومن تصدق في كل أسبوع بدرهم فهو داخل في قوله :" والمُتَصَدِّقِينَ والمُتَصَدِّقَاتِ "، ومن صام في كل شهر أيام البيض الثالثَ عَشَر، والخَامِسَ عَشَر فهو داخل في قوله :" والصَّائِمِينَ والصَّائِمَاتِ " ز ومن حفظ فرجه فهو داخل في قوله " والحَافِظِينَ فُرُوجهُمُ والحَافِظَاتِ " ومن صلى الصلوات الخمس بحقوقها فهو داخل في قوله :﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾ وغلب المذكرعلى المؤنث في " لهم " ولم يقل :" لهن " (لشرفهم).
قوله :﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ﴾ نزلت الآية في زينبَ بنت جحش الأسدية، وأخيها عبد الله بن جحش وأمها أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي - ﷺ - اشترى زيداً في الجاهلية بعُكَاظَ، فأعتقه وتبناه، فلما خطب رسول الله - ﷺ - زينت رضيت وظنت أنه يخاطبها لنفسه فلام علمت أنه يخطبها لزيد أبت وقال : أنا ابن عمتك يا رسول الله فلا
٥٥٠
أرضاه لنفسي وكانت بيضاءَ جميلةً فيها حدة وكذلك كره أخوها ذلك فانزل الله عز وجل :﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة﴾ يعني عبد الله بن جحش وأخته زينت ﴿إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً﴾ وهو نكاح زيدٍ لزينبَ ﴿أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾.
والخيرة الاختيار أي يريد غير ما أراد الله ويمتنع مما أمرالله ورسوله.
قوله :﴿أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ أن يكون " هو اسم كان، والخبر الجار متقدم وقوله :﴿إِذَا قَضَى اللَّهُ﴾ يجوز أن يكون محْض ظرف معموله الاستقرار الذي تعلق به الخبر، أي وما كان مستقراً لمؤمن ولا مؤمنةٍ وقت قضاء الله كَوْنُ خيرة وأن تكون شرطية ويكون جوابها مقدراً مدلولاً عليه بالنفي المتقدم.
وقرأ الكوفيون وهِشَامٌ " يكون " - بالياء من أسفل ؛ لأن " الخِيرَةَ " مجازيُّ التأنيث، وللفصل أيضاً، والباقون بالتاء من فوق مراعاةً للفظها، وقد تقدم أن " الخِيَرَةَ " مصدر " تَخَيَّرَ " " كالطَّيرِةِ " من " تَطَيَّرَ "، ونقل عيسى بن سُلَيْمَانَ أنه قرىء الخِيرَة - بسكون الياء - و " مِنْ أَمْرِهِمْ " حال من الخيرة، وقيل :" من " بمعنى " في " وجمع الضمير في " أمرهم " وما بعده لأن المراد بالمؤمن والمؤمنة الجنس.
وغلب المذكر على المؤنث، وقال الزمخشري :" كان من حق الضمير أن يُوَحَّدَ كما تقول : مَا جَاءَنِي مِنْ رَجُلٍ وَلا امْرَأَةٍ إلاَّ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ كَذَا " قال أبو حيان :" وليس بصحيح ؛ لأن العطف بالواو، فلا يجوز ذلك إلا بتأويل الحذف ".
قوله :﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً﴾ أخْطَأَ خَطَأً ظَاهِراً.
فلما سمعا ذلك رضيا بذلك وسلما وجعلت أمرها بيد رسول الله - ﷺ - إليها عَشْرَةَ دَنَانِيرٍ وستِّينَ دِرْهَماً وخِماراً ودِرْعاً وَإِزَاراً وملْحَفَةً وخَمْسِينَ مُدّاً مِن الطَّعَامِ وثلاثينَ صاعاً من تَمْرٍ.
٥٥١
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٥٣٤


الصفحة التالية
Icon