أي ولكن أنا مدره.
قوله :" وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ " قرأ عاصم بفتح التاء والباقون بسكرهان فالفتح اسم للآلة التي يختم بها كالطَّابَع والقَالَب، لما يطبع به، ويقلب فيه هذا هو المشهور، وذكر أبو البقاء فيه أَوْجُهاً أُخَرَ منها أنه في معنى المصدر قال : كذا ذكر في بعض الأعاريب، قال شهاب الدين : وهو لغط محض كيف وهو مُحْوِجٌ إلى تَجَوُّزٍ أو إضْمار، ولو حكى هذا في خَاتِم - بالكسر - لكان أقرب، لن قد يجيء المصدر على فاعل وفاعلة وسيأتي ذلك قريباً، ومنها أنه اسم بمعنى " آخَرَ " ومنها أنه فعل ماض مثل " قَاتَل " فيكون " النَّبِيِّينَ " مفعولاً به، قال شهاب الدين : ويؤيد هذا قراءة عبد الله المتقدمة.
وقال بعضهم هو بمعنى المفتوح يعني بمعنى آخرهم لأنه قد ختم النبيين فهو خَاتم.
فصل قال ابن عباس : يريد لو لم أَختم به النبيين لجعلت له ابناً يكون من بعده نبيّاً، وروى عطاء عن ابن عباس : أن الله تعالى لما حكم أنه لا نبي بعده لم يُعْطِهِ ولداً ذكراً
٥٥٨
يصير رَجُلاً، وقيل : من لا نبي بعده يكون أشفق على أمته وأهدى لهم إذ هو كالوالد لولد ليس له غيره.
﴿وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيما﴾ أي علمه بكل شيء دخل فيه أن لا نبي بعده، فعلم أن من الحكمة إكمال شرع محمد عليه (الصلاة و) السلام أن زوجه بزوجة دعيِّه تكميلاً للشرع، وذلك من حيث إنَّ قول النبي - ﷺ - يفيد شرعاً لكن إذا امتنع هو عنه يفيد في بعض النفوس نُفْرة، ألا ترى أنه ذكر بقوله ما فهم منه حِلّ أكل الضَّبِّ، ثم لما لم يأكله بَقِيَ في النفوس شيء، ولما أكل لحم الجمل طاب أكله، مع أنه في بعض الملل لا يؤكل وكذلك الأرنب، روى أبو هريرة أن رسول الله - ﷺ - قال :" مَثَلِي ومَثَلُ الأنبياء كَمَثَلِ قَصْرِ أُحْكِمَ بُنْيَانُهُ تُرِكَ مِنْهُ مَوْضِعُ لَبِنَةٍ فَطَافَ بِهِ النُّظَّارُ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ حُسْنِ بِنَائِهِ إِلاَّ مَوْضِعَ تِلْكَ اللَّبِنَةِ لاَ يُجِيبُونَ سِوَاهَا فَكُنْت أنَا مَوْضِع تِلْكَ اللَّبِنَةِ خُتِمَ بِهِ البُنْيَانُ، وَخُتِمَ بِي الرُّشْدُ "، وقال - عليه (الصلاة و) السلام :" إنَّ لِي أسْمَاءَ أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الماحِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الكُفْرَ، وَأَنَا الحَاشِرُ الَّذِي يَحْشُرُ اللَّهُ النَّاسَ عَلَى قَدَمِيَ وأَنَا العَاقِبُ " والعاقِبُ الذَّي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ.
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٥٥٢
قوله :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾ قال ابن عباس : لم يفرض الله على عباده فريضة إلا جعل حدّاً معلوماً ثم عذر أهلها في حال العذر غير الذكر فإنه لم
٥٥٩
يجعل له حداً ينتهي إليه ولم يعذر أهله في تركه إلا مغلوباً على عقله وأمرهم به في الأحوال كلها، فقال :﴿فَاذْكُرُواْ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ [النساء : ١٠٣] وقال :﴿اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً﴾ أي بالليل والنهار، والبرِّ والبحر والصحة والسِّقَم في السر والعلانية وقال مجاهد : الذكر الكثير أن لا ينساه أبداً ﴿وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ أي صلوا له بكرة يعني صلاة الصبح و " أصيلاً " يعني صلاة العصر، وقال الكلبي :" وأصيلاً " صلاة الظهر والعصر والعشاء، وقال مجاهد معناه : قولوا : سبحانَ اللَّهِ والحمدُ لله ولا إله إلا الله واللَّه أكبر ولا حَوْلَ ولا قوة إلى بالله فعبر بالتسبيح عن أخواته، وقيل : المراد من قوله :" ذكْراً كَثيراً " هذه الكلمات يقولها الطاهرُ والخبيثُ والمحدث.
قوله :﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ﴾ الصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الاستغفار للمؤمنين فذكر صلاته تحريضاً للمؤمنين على الذكر والتسبيح، قال السدي : قالت بنو إسرائيل لموسى : أيصلي ربنا ؟ فكَبُرَ هذا الكلام على موسى فأوحى الله إليه قل لهم : إنِّي أصلي وإن صلاتي رحمتي وقد وسعت رحمتي كُلَّ شيء.
وقيل : الصلاة من الله هي إشاعة الذكر الجميل له في عباده، وقيل : الثناء عليه.
قال أنس : لما نزلت إن الله وملائكته يصلون على النبي قال أبو بكر : ما خَصَّك الله يا رسول الله بشرف إلا وقد أشركنا فيه فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
قوله :" ومَلاَئِكَتُهُ " إما عطف على فاعل " يصلي "، وأغنى الفصل بالجار عن التأكيد بالضمير، وهذا عند من يرى الاشتراك أو القدر المشترك أو المجاز ؛ لأن صلاة الله غير صلاتهم.
وإما مبتدأ وخبره محذوف، أي " وملائكته يصلون " وهذا عند من يرى شيئاً مما تقدم جائزاً إلا أن فيه بحثاً، وهو أنهم نصوا على أنه إذا اختلف مدلولاً الخبرين فلا يجوز حذف أحدهما لدلالة الآخر عليه وإن كانا بلفظ واحد، فلا تقول :" زَيْدٌ ضَاربٌ وَعَمرٌو " يعني وعمرو ضاربٌ في الأرضِ أي مُسِافِرٌ.
٥٦٠


الصفحة التالية
Icon