الأول على القاعدة العامة، ولم يسشكل شيئاً مما ذكرته، وقد عرضت هذا الإِشكال على جماعة من أعيان زماننا فاعترفوا به ولم يظهر عن جواب إلا ما قدمته من أنه ثم قرينة مانعة من ذلك كما مثلته آنفاً، وقرأ أبو حيوة " وامْرَأَةٌ " بالرفع على الابتداء، والخبر مقدر، أي أَحْلَلْنَا لَكَ أَيْضاً.
وفي قوله :﴿إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ﴾ التفات من الخطاب إلى الغيبة بلفظ الظاهر تنبيهاً على أن سبب ذلك النبوة، ثم رجع إلى الخطاب فقال :" خَالِصَةً لَكَ "، وقرأ أبي والحسن وعيسى " أَنْ " بالفتح، وفيه وجهان : أحدها : أنه بدل من " امرأة " بدل اشتمال قاله أبو البقاء، كأنه قيل : وأحْلَلْنَا لك هِبَةَ المَرْأَةِ نَفْسَهَا لَكَ.
قوله :" خالصة " العامة على النصب وفيه أوجه : أحدها : أنه منصوب على الحال من فاعل " وَهَبَتْ " أي حال كونها خالصةً لك دُونَ غَيْرِكَ.
الثاني : أنها حال من " امرأة " لأنها وصفت فتخصصت، وهو بمعنى الأول، وإليه ذهب الزجاج.
الثالث : أنها نعت مصدر مقدر أي هبة خالصة فنصبها " بوَهَبَتْ ".
الرابع : أنها مصدر مؤكد " كوَعْدَ اللَّهِ، قال الزمخشري : والفاعل والفاعلة في
٥٦٩
المصادر غير عزيزين كالخَارجِ والقَاعِدِ، والكاذِبَةِ والعَافِيَةِ يريد بالخارج ما في قول الفرزدق : ٤١٠٠ -......................
وَلاَ خَارِجاً مِنْ فِيَّ زُورُ كَلاَمِ
جزء : ١٥ رقم الصفحة : ٥٦٣
وبالقاعد ما في قولهم :" أَقَاعِداً وَقَدْ سَارَ الرَّكْبُ "، وبالكاذبة ما في قوله تعالى :﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ﴾ [الواقعة : ٢]، وقد أنكر أبو حيان عليه قوله :" غير عزيزين " وقال : بل هما عزيزان، وما ورد متأول، وقرىء :" خَالِصَةٌ " بالرفع، فإن كانت " خالصة " حالاً قدر المبتدأ " هي " أي المرأة الواهبة، وإن كانت مصدراً قدر فتلك الحالة خالصة، و " لك " على البيان أي أعني لك نحو :" سَقْياً لَكَ ".
فصل المعنى : أحللنا لك امرأة مؤمنة وهبت نفسها لك بغير صداق، فأما غير المؤمنة فلا تَحِلُّ له إذا وهبت نفسها منه، واختلفوا في أنه هل كان يحِل للنبي - ﷺ - نكاح اليهودية والنصرانية، فذهب أكثرهم إلى أنه كان لا يحل له ذلك لقوله :" وامرأة مؤمنة " وأول بعضهم الهجرة في قوله :" هَاجَرْنَ مَعَكَ " يعني على الإسلام أي أسلمن معك، فيدل ذلك على أنه لا يحل نكاح غير المسلمة.
وكان نكاح ينعقد في حقه بمعنى الهبة من غير ولي ولا شهود ولا مَهْرٍ، وكان ذلك من خصائصه عليه (الصلاة و) السلام - لقوله تعالى :﴿خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ كالزيادة على الأدب ووجوب تخيير النساء من خصائص لا مشاركة لأحد معه، واختلفوا في انعقاد النكاح بلفظ الهبة في حق الأمة، فقال سعيد بن المسيب والزهري ومجاهد وعطاء : لا ينعقد إلا بلفظ النكاح أو
٥٧٠
التزويج، وبه قال ربيعة ومالك والشافعي، ومعنى الآية أنّ إباحة الوطء بالهبة وحصول التزويج بلفظها من خواصه عليه السلام.
وقال النخعيُّ وأبو حنيفةَ وأهلُ الكوفة ينعقد بلفظ الهبة والتمليك وأن معنى الآية أن تلك المرأة صارت خالصة لك زوجةً من أمهات المؤمنين ولا تحل لغيرك أبداً بالتزويج وأجيب بأن هذا التخصيص بالواهبة لا فائدة فيه فإن أزواجه كلهن خالصات له، وما ذكرناه (يتبين) للتخصيص فائدة.
فصل اختلفا في التي وهبت نفسها لرسول الله - ﷺ - هل كانت عنده امرأة منهن فقال عبد الله بن عباس ومجاهد : لم يكن عند النبي - ﷺ - امرأة وهبت نفسها منه ولم يكن عنده امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يمين، وقوله " وَهَبَتْ نَفْسَهَا " على طريق الشرط والجزاء، وقيل : بل كانت موهوبة واختلفوا فيها، فقال الشعبي : هي زينب بنت خزيمة الهلالية يقال لها : أم المساكين، وقال قتادة : هي ميمونة بنت الحارث، وقال علي بن الحسين والضحاك ومقاتل : أمّ شريك بنت جابر من بني أسد، وقال عروة بن الزبير : هي خولة بنت حكيم من بني سُلَيْم.
قوله :﴿قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا﴾ أوجبنا على المؤمنين " فِي أَزواجِهِمْ " من الأحكام أن لا يتزوجوا أكثر من أربع ولا يتزوجوا إلا بولي وشهود ومهر ﴿وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ أي ما أوجبنا من الأحكام في ملك اليمين، وإنما ذكر هذا لئلا يحمل واحدٌ من المؤمنين نفسه على ما كان النبي عليه السلام فإن له في النكاح خصائصَ ليست لغيره، وكذلك في السَّرَارِي.
قوله :" لِكَيْلاَ " يتعلق " بخالصة " وما بينهما اعتراض و " مِنْ دُونِ " متعلق " بخالصة " كما تقول : خَلَص مِنْ كَذَا.
٥٧١


الصفحة التالية
Icon