تعزل سواء، لا جناح عليك كما تقول :" مَنْ لَقِيَكَ ممَّن لَمْ يَلْقكَ جميعُهم لَكَ شَاكرٌ " يريد من لقيك ومن لم يلقك وهذا في إِلغاز.
قوله :" ذَلِكَ " أي التفويض إلى مشيئتك ﴿أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ﴾ أي أقرب إلى قرة أعينهن، والعامة " تَقَرَّ " مبنياً للفاعل مسنداً " لأعينهن " وابن مُحِيْصِن " " تُقرّ " من " أقر " - رباعياً - وفاعله ضمير المخاطب (و) " أَعْيُنُهُنَّ " رفع لقيامه مقام الفاعل وتقدم معنى " قرة العين " في مريم.
قوله :" كُلُّهن " العامة على رفعه توكيداً لفاعل " يَرْضِيْنَ "، وأبو إياس بالنصب توكيداً لمفعول " آتَيْتَهُنَّ ".
فصل قال المفسرونَ لا جناح عليك لا إثم عليك، أباحَ له ترك القَسْم لهن حتى إنه ليُرجِي من يشاء في نوبتها وَيَطَأ من يشاء منهن في غير نوبتها ويرد إلى فراشه من عزلها تفضيلاً له على سائر الرجال ﴿ذلك أدنى أن تقر أعينهنّ وَلاَ يَحْزَنَّ﴾ أي ذلك التخيير الذي خيرتك في صحبتهن أقرب إلى رضاهن، وأطيب لأنفسهن وأقل لحزنهن إذا علمن أن ذلك من الله عز وجل، ﴿وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ﴾ أعطيتهن من تقريب وإرجاء وعزل وإيواء ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ﴾ من أمر النساء والميل إلى بعضهن ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً﴾ أي إن أضمرت خلاف ما أظهرت فالله يعلم ضمائر القلوب فإنه عليم وإن لم يعاقبْهن في الحال فلا يغتررن فإنه حليم لا يعجل.
قوله :﴿لاَّ يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ﴾ قرأ أبو عمرو " لا تَحِلُّ " بالتأنيث اعتباراً باللفظ والباقون
٥٧٤
بالياء لأنه جنس والمفصل أيضاً، وقوله " مِنْ بَعْدُ " أي من (بعد) اللائي نصصنا لك على إحْلاَلَهِنَّ كما تقدم، وقيل : من بعد إباحة النساء المسلمات دون الكِتَابِيَّات.
فصل قال المفسرون : من بعد أي من بعدهن : قال ابن الخطيب : والأولى أن يقال لا تحل لك النساء من بعد اختيارهن الله ورسوله ورضاهن بما تؤتيهن من الوصل والهجران، وقال ابن عباس وقتادة : من بعد هؤلاء التسعة خيرتهن فاخترنَك، وذلك ان النبي - ﷺ - لما خيرهن فاخْترن الله ورسوله شكر الله لهن، وحُرِّمَ عليه السناء سواهن ونهاه عن تطليقهن وعن الاستبدال بهن، واختلفوا في أنه هل أبيح له النساء نم بعد، قالت عائشة : ما مات رسول الله - ﷺ - حتى أحل له النساء.
وقال أنس : مات على التحريم، وقال عكرمة : معنى الآية لا تحل لك النساء إلا اللاتي أحللنَا لك أزواجَك، الآية ثم قال : لا تحل لك النساء من بعد اللاتي أحللنا لك بالصفة التي تقدم ذكرها.
قول لأبي بن كعب : لو مات نساء النبي - صلى الله عيله وسلم - كان يحل له أن يتزوج، قال :(و) ما يمنعه من ذلك ؟ قيل : قوله عز وجل :﴿لاَّ يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ مِن بَعْدُ﴾ قال : إنما أحَلَّ اللَّهُ ضَرْباً من النساء فقال :﴿ يا أيها النَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ﴾ قال :﴿لاَّ يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ مِن بَعْدُ﴾ (و) قال أبو صالح : أمر أن لا يتزوج أعرابية ولا غريبة ويتزوج من نساء قومه من بنات العم والعمة والخال والخالة إن شاء ثلاثمائة.
وقال مجاهد : معناه لا تحل لك اليَهُودِيَّاتُ بعد المسلمات ﴿وَلاَ أَنْ تَبَدَّلَ﴾ بالمسلمات غيرهن من اليهود والنصارى يقول : لا تكون أم المؤمنين يهودية ولا نصرانية ﴿إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ﴾ أحلَّ له ما ملكت يمينه من الكتابيات أن يَتَسرى بهنَّ ؛ وروي عن الضحاك معنى ﴿وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ﴾ ولا أن تبدل بأزواجك اللاتي هي في حبالك أزواجاً غيرهن بأن تطلق فتنكح غيرهن فحرم عليه طلاق النساء اللواتي كن عنده وجعلهن أمهات المؤمنين وحرمهن على غيره حين اخترنه، فأما نكاح غيرهن فلم يمنع عنه.
وقال ابن زيد في قوله :{وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ
٥٧٥