المدينة قال : فكانت ام هانىء تواظبُني على خدمةِ النبي - ﷺ - فخدمته عَشْر سنينَ وتوفي وانا ابن عشرينَ فكنت أعلمَ الناس بشأن الحِجاب حين أنزل وكان أول ما أنزل في مْبْتَنَى رَسُولِ الله - ﷺ - بزينبَ بنتِ جحشٍ أصبح النبي - ﷺ - بها عروساً فدعا القوم وأَصابوا من الطّعام ثم خرجوا وبَقِيَ رَهْطٌ منهم عند النبي - ﷺ - فأطالوا المُكْثَ فقام النبي - ﷺ - وخرج وخرجت معه لكي يخرجوا فمشى النبي - ﷺ - فمشيت حتى جاء عتبة حُجْرَة عائشةَ ثم ظن أنهم قد خرجوا فرجَع فرَجَعْتُ معهم حتى إذا دخل على زينب فإذا هم جلوس لم يخرجوا فرجَع النبي - ﷺ - ورجعت معه حتى إذا بلغ عتبة حجرة عائشة فظن أنهم قد خرجوا فرَجَع ورجعت معه فإذا هم قد خرجوا فضرب النبي - ﷺ - بيني وبينه بالسِّتر - فأنزل الله الحجاب، (و) قال أبو عثمان واسمه الجَعد عن أنس (قال) فدخل - يعني رسول الله - ﷺ - البيت وأرخى الستر وإني لفي الحجرة وهو يقول :﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ إلى قوله :﴿وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ وروي عن ابن عباس أنها نزلت في ناسٍ من السلمين كانوا يتحيَّنون طعام رسول الله - ﷺ - فيدخلون عيله قبل الطعام إلى أن يدرك ثم يأكلون ولا يخرجون وكان رسول الله - ﷺ - يتأذَّى بهم فنزلت الآية ﴿ يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِيِّ﴾.
وروى ابنُ شِهابٍ عن عروة عن عائشة أن أزواج النبي - صلى الله عيه وسلم - كُنَّ يَخْرُجْنَ باللَّيْلِ إذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى المَنَاصِع وهو صَعِيدٌ أَفْيَحُ فكان عمر يقول للنبي - ﷺ - احجبْ نِسَاءَكَ فلم يكن رسولُ الله يفعل فخرجت سُوْدةُ بنتُ زمعة زوج النبي - ﷺ - ليلةً من الليالي عشاءً وكانت امرأة طويلة فناداها عمر : قد عرفناك يا سَوْدَةُ حرصاً على أن تنزل آيةُ الحجاب فأنزل الله الحجاب، وعن أنس قال : قال عمر : وافَقَنِي ربي في ثلاثة، قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فأنزل الله :﴿وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ [البقرة : ١٢٥]، وقلت يا رسول الله : إنه يدخل عليك البرُّ الفاجر فلو أمرت أمهات
٥٧٩
المؤمنين بالحِجاب فأنزل الله آية الحجاب قال : بلغني ما آذين رسول الله - ﷺ - نساؤه قال : فدخلت عليهن فجعلت استقربهن واحدة واحدة قلت : والله لَتَنْتَبِهْنَ أوْ لَيُبَدِّلنَّه الله أزواجاً خَيْراً منْكُنَّ حت أتيت على زينب فقالت : يا عُمَرُ : ما كان في رسول الله - ﷺ - ما يعظ نساءه حتى تَعِظَهُنَّ أنت قال : فخرجت فأنزل الله :﴿عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ﴾ [التحريم : ٥] الآية قوله :﴿إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ فيه أوجه : أحدها : أنها في موضع نصب على الحال تقديره إِلاَّ مَصْحُوبِينَ بالإِذن.
الثاني : أنها على إسقاط باء السبب تقديره :" إلا بِسبِب الإذن لكم " كقوله " فَأَخْرَجَ بِهِ " أي بسببه.
الثالث : أنه منصوب على الظرف قال الزمشخري :﴿إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ﴾ في معنى الظرف تقديره : إلا وقت أن يؤذن لكم و " غَيْرَ نَاظِرينَ " حال من " لاَ تَدْخُلُوا " وقع الاسثناء على الحال والوقت معاً كأنه قيل : لا تدخلوا بيوت النبي إلا وَقْتَ الإذْنِ ولا تدخلوا إلاَّ غَيْرَ ناظرين إناه، ورد أبو حيان الأول بأن النحاة نصوا على أن " أنْ " المصدرية لا تقع مَوْقِعَ الظرف، لا يجوز :" آتِيكَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ " وإن جاز ذلك في المصدر الصريح نحو :" آتِيكَ صِيَاحَ الدِّيكَ "، ورد الثاني بأنه لا يقع بعد " إلا " في الاستثناء إلا المستثنى أو المستثنى منه أو صفته ولا يجوز فيما عَدَا هذا عند الجمهور، وأجاز ذلك الكسائي والأخفش أجازا " مَا قَامَ القوْمُ إِلاَّ يَوْمَ الجُمُعَةِ ضَاحِكِينَ " و " إلَى طَعَام " متعلق بـ " يُؤْذَن " لأنه بمعنى إلاَّ أنْ يَدْعُوا إلى طعام، وقرأ العامة غَيْرَ ناظرين - بالنصب على الحال - كا تقدم، فعند الزمخشري ومن تابعه العامل فيه " يُؤْذَنَ " وعند غيرهم العامل فيه مقدر تقديره ادخلوا غير ناظرين، وقرأ
٥٨٠


الصفحة التالية
Icon