في غير التشهد فتجب في التشهد وكذلك قوله :" وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً " أمر فيجب السلام ولم يجب في غير الصلاة فيجب فيها وهو قولنا في التشهد : السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ، وذكر في السلام المصدر للتأكيد، ولم يُؤكد الصلاة لأنها كانت مؤكدة بقوله :﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي﴾.
فإن قيل : إذا صلى الله وملائكته عليه فأي حاجة به إلى صلاتنا ؟ فالجواب : أن الصلاة عليه ليس لحاجة إليها وإلا فلا حاجة إلى صلاة الملائكة مع صلاة الله عليه، وإنما هو إظهاره وتعظيمه (كما أن الله تعالى) وجب علينا ذكر نفسه ولا حاجة له إليه وإنما هو لإظهاره وتعظيمه منا شفقة علينا ليثيبنا عليه ولهذا قال عليه (الصلاة و) السلام :" ومن صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً " قوله (تعالى) :﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ﴾ فيه أوجه أي يقولون فيه ما صورته أذى وإن كان تعالى لا يلحقه ضرر ذلك حيث وصفوه بما لا يليق بجلاله من اتخاذ الأنداد ونسبة الولد والزوجة إليه، قال ابن عباس هم اليهود والنصارى والمشركون، قال عليه (الصلاة و) السلام " يقول الله تعالى :" شَتَمَنِي عَبْدِي يَقُولُ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً وَأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ لَمْ أَلِدُ وَلَم أَولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كفواً أَحَدٌ "، وقال عليه (الصلاة و) السلام " قال الله تعالى : يُؤذِيني ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهرَ وأَنَا الدَّهرُ بِيدِي الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ والنَّهَارَ "، وقيل : يؤذون الله : يلحدون في أسمائه وصفاته، وقال عكرمة : هم أصحاب التصاوير، روى أبو هريرة قال :" سمعت النبي - ﷺ - يقول :" قال الله تعالى : وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ يَخْلُقُ كَخَلْقِي فليخلقوا ذَرَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ شَعِيرَةً "
٥٨٧
ويحتمل أن يكون على حذف مضاف أي أولياء الله كقوله :﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ [يوسف : ٨٢] أي أهل القرية قال عليه (الصلاة و) السلام :" قال الله تعالى :" مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ " وقال :" مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيَّاً فَقَدْ بَارَزَنِي بِالمُحَارَبَةِ " ومعنى الأذى هو مخالفة أمر الله وارتكاب معاصيه وذكره على ما يتعارفه الناس بينهم والله عز وجل منزه عن أن يلحقه أذى من أحد، وقال بعضهم أتى بالجلالة تعظيماً، والمراد يؤذون رسولي كقوله :﴿إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ [الفتح : ١٠] وأما إيذاء الرسول فقال ابن عباس : هو أنه شُجَّ في وجهه وكُسِرت رُبَاعِيّتُه، وقيل : ساحر شاعر معلم مجنون، ثم قال :﴿لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ واللعن الطرد، وهذا إشارة إلى بعد لا رجاء للقرب معه، لأن البعيد في الدنيا يرجو القرب في الآخرة فإذا خاب في الآخرة فقد خاب وخسر.
ثم إنه تعالى لم يحصر جزاءه في الإبعاد بل أوعده بالعذاب المهين فقال :" وَأَعَدَّ لَهُمْ " وهذا يفيد التأكيد ؛ لأن السيد إذا عذب عبده حالة الغضب من غير إعداد يكون دون ما أعد له قيداً وغلاًّ.
قوله :﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ﴾ أي من غير ما عملوا ما أوجب أذاهم، وقال مجاهد : يقعون فيهم ويرمونهم بغير كلام، وقيل : إن من جُلِدَ مائة على شرب الخمر أو حُدَّ أربعين على لعب النَّرْد فقد أوذي بغير ما اكتسب.
قوله :" فَقَد احْتَمَلُوا " خبر " والذين " ودخلت الفاء لشبه الموصول بالشرط.
وقوله :﴿بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِينا﴾ قال مقاتل : نزلت في علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - كانوا يؤذونه ويسمعونه وقيل : نزلت في شأن عائشة، وقال الضحاك والكلبي : نزلت في الزّناة (الذين) كانوا يتشمون في طريق المدينة يتبعون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن فيغمزون المرأة فإِن سكتت اتبعوها وإن زجرتهم انتهوا عنها ولم يكونوا
٥٨٨