والجبال على أنهم إن أدوها أثابهم وإن ضَيَّعُوهَا عذبهم، قاله ابن عباس.
وقال ابن مسعود : الأمانة أداءُ الصَّلَوَاتِ وإيتاءُ الزكاة وصَوْمُ رَمَضَانَ وحَجُّ البيت وصدقُ الحديث وقضاءُ الدِّيْنِ والعدلُ في المِكيال والميزانِ وأشدُّ من هذا كلَّه الودائعُ.
وقال مجاهد : الأمانة الفرائض وحدود الدين.
وقال أبو العالية : ما أُمِرُوا به ونهوا عنه، وقال زيد بن أسلم : هي الصوم والغسل من الجنابة وما يخفى من الشرائع.
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : أول ما خلق الله من الإنسان فرجه وقال : هذه أمانة اسْتَوْدَعْتُكَها فالفرج أمانة والأذنُ أمانة والعينُ أمانة واليدُ أمانة والرِّجْلُ أمانة ولا إيمان لمن لا أمانة لَهُ، وقيل : هي أمانات الناس والوفاء بالعهود فحق كل مؤمن أن لا يغشَّ مؤمناً ولا معاهداً في شيء قليلٍ ولا كثير.
وهذه رواية الضَّحاك عن ابن عباس وجماعة من التابعين، وأكثر السلف أن الله عرض هذه الأمانة على السمواتِ والأرض والجبال فقال لهن : أَتَحْمِلْنَ هذِه الأَمَانَةَ بما فيها ؟ قُلْنَ : وما فيها ؟ قال : إن أَحْسَنْتُنَّ جُوزيتُنَّ وإنْ عَصَيْتُنَّ عُوقِبْتُنَّ فقلن : لا يا رب نحن مسخّرات لأمرك لا نريد ثواباً ولا عقاباً وقُلْنَ ذَلِكَ خَوْفاً وخشية وتعظيماً لله خوفاً أن لا يقوم بها لا معصية ومخالفة وكان العرض عليهن تخييراً لا إلزاماً ولو الزمهن لم يمتَنِعْنَ من حملها والجمادات فيها خاشعة لله - عز وجل - ساجدة له كما قال تعالى للسموات والأرض.
﴿ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ﴾ [فصلت : ١١] وقال في الحجارة :﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [البقرة : ٧٤]، وقال :﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَآبُّ...
[الحج : ١٨] الآية.
وقال بعضهم : ركَّب الله (عز وجل) فيهن العقل والفهم حين عرض الأمانة عليهن حتى عقلْنَ الخطاب وأجبن بما أجبن.
وقيل : المراد من العرض على السموات والأرض هو العرض على أهل السموات عرضها على من فيها من الملائكة وقيل : المراد المقابلة أي قابلنا الأمانة مع السموات فرجحت الأمانةُ وهي الدين والأول أصح، وهو قول أكثر العلماء.
قوله :" فأبين " أتى بضمير هذه كضمير الإناث لأن جمع التكسير غير العاقل يجوز فيه ذلك وإن كان مذكراً وإنما ذكرنا ذلك لئلا يتوهم أنه قد غلب المؤنث - وهو السموات - على المذكر وهو البجال.
واعلم أنه لم يكن إباؤهن كإباء إبليس في قوله تعالى :﴿أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ [الحجر : ٣١] ؛ لأن السجود هناك كان فرضاً وههنا الأمانة كانت عرضاً والإباء هناك كان استكباراً وههنا استصغاراً لقوله تعالى :" وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا " أي خفن من الأمانة أن لا يؤدينها فيلحقهن العقاب " وحَمَلَهَا الإِنْسَانُ " يعني آدم عليه السلام فقال يا آدم : إني عرضت الأمانة على أهل السموات والأرض والجبال فلم تُطِقْهَا فهل أنت آخذها بما فيها ؟ فقال يا رب : وما فيها ؟ قال : إن أحْسَنْتَ جُوزيت وإنْ أَسَأْتَ عوقبتَ فتحملها آدم عليه السلام.
فقال الله تعالى أما إذْ تحمّلتها فسأعنيك أجْعَلُ لبصرك حجاباً فإذا خشيت فاغلق وأجْعَلُ لفرجك ستراً فإذا خشيت فلا تكشفه على ما حرمت عليك قال مجاهد : فما كان بين أن تحملها وبين أن أخرج من الجنة إلا مقدارَ ما بين الظهر إلى العصر ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ قال ابن عباس : ظلوماً لنفسه جهولاً بأمر الله وما احتمل من الأمنانة وقال مقاتل : ظلوماً لنفسه جهولاً بعاقبة ما تحمل.
وذكر الزجاج وغيره نم أهل المعاني في قوله :" وَحَمَلَهَا الإنْسَان " قولاً، فقالوا : إن الله
٥٩٧


الصفحة التالية
Icon