وقرأ العامة الرِّيحَ بالإفراد.
والحَسَنُ وأبو حَيْوَةَ، وخالدُ بْنُ إلْيَاسَ الرِّيَاح جمعاً.
وتقدم في الأنبياء أن الحسن يقرأ مع ذلك بالنصب وهنا لم ينقل له ذلك.
فإن قيلَ : الواو في قوله :" وَلِسُلَيْمَانَ " للعطف فعلى قراءة الرفع يصير عطفاً للجملة الاسمية على فعلية وهو لا يجوز أوْ لاَ يَحْسُنُ ؟ فالجواب : أنه لما بين حال داود فكأنه قال : لما ذكر لداود ولسليمان الريح وإما على النصب على قوله :﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ (كأنه قال وألنا لداودَ الحديدَ) وسخرنا لسليمان الريح.
قوله :﴿غُدُوُّهَا شَهْرٌ﴾ مبتدأ وخبر ولا بد من حذف مضاف أي غُدُوُّهَا مَسِيرةُ شَهرٍ أو مقدارُ غُدُوِّهَا شَهْرٌ، ولو نصب لجاز، إلا أنه لم يُقْرأ بها فيما علمنا، وقرأ ابن أبي عبلة غَدْوَتُهَا ورحتُها على المرّة، والجملة إما مستأنفة، وإما في محلِّ حالٍ.
فصل المعنى غُدُوُّ تلك الريح المستمرة له مسيرةُ شهر، وسير رواحها شهر فكانت تسير به في يوم واحد مسيرةَ شهرين.
قال الحسن : كان يَغْدُو من دمشقَ فيقيل بإصطخر _ وبينهما مسية شهر، ثم يَرُوحُ من إصطخر فيبيت بكَابُل) وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع وقيل : كان يتغذى بالرِّيِّ ويتعشى بسمرقَنْدَ.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله في الجبال معَ داوُودَ الجِبَالَ وفي الأنبياء وفي هذه السورة فقال : يا جبال أوبي معه وقال في الريح هناك وههنا : لسليمان باللام ؟ فالجواب : أن الجبال لما سبَّحت شَرفت بذكر الله فلم يُضِيفْها إلى داود بلام الملك بل جعلها معه كالمصاحب والريح لم يذكر تسبيحها فجعلها كالمملوكة لَهُ.
٢٥
قوله :﴿مَنْ يَعْمَلُ﴾ أي أذبْنَا له عين النُّحاس.
والقِطْرُ : النحاسُ قال المفسرون : أجريت له عين النحاس ثلاثة أيام بلياليها كجَرْي المياه.
وكان بأرضِ اليمن.
وإنما ينتفع الناس اليوم بما أخرج الله لسليْمَانَ.
قوله :﴿﴾ يجوز أن يكون مرفوعاً بالابتداء وخبره في الجار قبله أي مِنَ الجِنِِّ مَنْ يَعْمَلُ وأن يكون في موضع نصب بفعل مقدر أي وسَخَّرْنَا لَهُ مَنْ يَعْمَلُ و " مِنَ الجِنِّ " يتعلق بهذا المقدر، أو بمحذوف على أنه حال أو بيان، و " بإذن " حال أي مُيسّراً بإذن ربه، والإذن مصدر مضاف لفاعله، وقرئ :" وَمَنْ يَزُغْ " بضم الياء من أَزَاغَ ومفعوله محذوف أي يَزُغْ نَفْسَهُ، أي يُمِيلُها و " مِنْ عَذَابٍ " لا بتداء الغاية أو للتبعيض.
فصل قال ابن عباس : سخر الله الجنَّ لسليمانَ وأمرهم بطاعته فيما يأمرهم به، ومن يزُغ يعدل منهم من الجن عن أمرنا الذي أمرنا به من طاعة سليان نُذِقْه مِنْ عَذَابِ السَّعير في الآخرة، وقيل : في الدنيا وذلك أن الله وكل بهم ملكاً بيده سَوْطٌ من نارٍ فمن زاغ منهم عن أمر سليمان ضربه ضربةً أحْرَقَتْهُ.
قوله :﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ﴾ مفسر لقوله :" مَنْ يَعَمَلُ " و " مِنْ مَحَارِيبَ " بيان لـ " مَا يَشَاءُ " والمراد بالمحاريب : المساجد والأبنية المرتفعة، وكان مما عملوا له بيت المقدس، ابتدأه داود ورَفَعَهُ قامةَ رجُل فأوحى إليه أني لم أقضِ ذلك على يدك ولكن ابن لك أملكه بعدك اسمُه سليمانُ أقضي تمامه على يده، فلما توفاه الله استخلف سليمان فأحب إتمام بناء بيت المقدس فمجمع الجن والشياطين وقسَّم عليهم الأعمال فخص كل طائفة منهم بعمل يستصلحه له فأرسل الجن والشياطين في تحصل الرُّخَام والمِيهَا الأبيْضَ من معادِنه وأمر ببناء المدينة بالرُّخام والصّفاح وجعلها اثْنَيْ عَشَرَ رَبَضاً وأنزل على كل
٢٦


الصفحة التالية
Icon