قال : الأصل زَوْزاةٌ وأصل هذا : زَوْزَوَةٌ، فلما أبدل من الألف همزة حركها بحركة الواو، إذا عرف هذا فكان ينبغي أن تبدل هذه الألف همزة مفتوحة لأنها عن أصل متحرك وهو الهمزة المتفوحة فتعود إلى الأول وهذا لايقال.
الثاني : أنه سكن الفتحة تخفيفاً والفتحة قد سكنت في مواضع تقدم التنبيه عليها وشواهدها، ويحسنه هنا أن الهَمْزَة تشبه حروف العلة، وحرف العلة يستثقل عليه الحركة من حيث الجملة وإن كان لا تستثقل الفتحة لخفتها، وأنشدوا على تسكين همزتها : ٤١٢٢ - صَرِيعُ خَمْرٍ قَامَ مِنْ وَكْأتِهِ
كَقوْمَةِ الشَّيْخِ إلَى مِنْسأتِهِ
وقد طعن قوم على القراءة ونسبوا راويها إلى الغلط قالوا : لأن قياس تخفيفها إنما هو تَسْهيلُها بَيْنَ بَيْنَ وبه قرأ ابنُ عامر وصاحباهُ فظن الراوي أنهم
٣٢
سكنوا وضعفها أيضاً بأنه يلزم سكون ما قبل تاء التأنيث وما قبلها واجب الفتح إلا الألف وأما قراءة الإبدال فقيل : هي غير قياسية يعنون أنها ليست على قياس تخفيفها إلا أن هذا مردود بأنها لغة الحجاز ثابتة فلا يلتفت لمن طعن، وقد قال أبو عمرو وكفى به : أنا لا أهمزها لأني لا أعرف لها اشتقاقاً، فإن كانت مما لا يهمز فقد احتطت وإن كانت تهمز فقد يجوز لي ترك الهمز فيما يهمز، وهذا الذي ذكره أبو عمرو أحسن ما يقال في هذا ونظائره.
وقرئ مَنْسَأتَه بفتح الميم مع تحيق الهمز، وإبدالها ألفاً وحذفها تخفيفاً وقرئ مِنْسَاءَتِهِ نزنة منعالته كقولهم : مِيضَأةٌ ومِيضَاءَةٌ ولكها لُغات، وقرأ ابن جبير من ساته فَصَل " مِنْ " وجعلها حرف جر وجعل " ساته " مجرورة بها والسَّاةُ والسِّيَةُ هنا العَصَا وأصلها يَدُ القَوْس العليا والسفلى يقال : سَاةُ القَوْسِ مثلُ شَاةٍ وسِئَتُها فسمِّيت العصا بذلك على وجه الاستعا ة والمعنى تأكل من طرف عصاه.
ووجه بذلك - كما جاء في التفسير - أنه اتَّكأ على عصا خضراء من خروب والعصا الخضراء متى اتُّكِيءَ عليها تصير كالقَوْس في الاعْوِجاج غالباً.
و " سَأَة " فَعَلَة نحو قحَة وقحة والمحذوف لامهما وقال ابن جني : سمي العصا منسأة لأنها تسوء وهي فَلَة والعين محذوفة قال شهاب الدين : وهذا يقتضي أن تكون القراءة بهمزة ساكنة والمنقول أن هذه القراءة بألف صريحة ولأبي الفتح أن يقول أصلها الهمزة ولكن أُبْدِلَتْ.
٣٣
قوله :" دَابَّةُ الأرض " فيه وجهان : أظهرهما : أن الأرض هذه المعروفة والمراد بدابة الأرض الأَرَضة دُوَيبَّة تأكل الخَشَب.
والثاني : أن الأرض مصدر لقولك أَرَضَيتِ الدابَّة الخَشَبَة تَأرِضُهَا أَرْضاً أي أكلتها فكأنه قيل : دابة الأكل يقال : أرَضَت الدَّابَّةُ الخَشَبَة تَأرُضُها أَرْضاً فأرِضَتْ بالكسر تَأْرَضُ هي بالفتح أيضاً وأكَلت الفَوَازجُ الأسْنَانَ تَأكُلُها أكْلاً فَأَكِلَتْ هي بالكسر تَأكَلُ أكَلاً بالفتح.
ونحوه أيضاً : جِدِعَتْ أَنْفُهُ جَدَعاً فجُدِعَ هو جَدَعاً بفتح عين المصدر، وقرأ ابن عباس والعباس بن الفضل بفتح الراء وهي مقوية المصدرية في القرءاة المشهورة وقيل : الأَرَضُ بالفتح ليس مصدراً بل هو جمع أرَضَةٍ وهذا يكون من باب إضافة العام إلى الخاص لأن الدابة أعم من الأرضة وغيرها من الدوّابِّ.
قوله :﴿فَلَمَّا خَرَّ﴾ أي سقط الظاهر أن فاعله ضمير سليمان عليه - الصلاة و) السلام، وقيل : عائد على الباب لأن الدابة أكلته فوقع وقيل : بل أكلت عبتة الباب وهي الخارّة وينبغي أن لا يصحَّ ؛ إذ كان التركيب خرَّتْ بتاء التأنيث و : أبْقَلَ إبْقَالَها ضرورة، أو نادر تأويلها بمعنى العَوْد أندر منه.
قوله :﴿تَبَيَّنَتِ﴾ العامة على نيابته للفاعل مسنداً للجنِّ وفيه تأويلاتٌ.
أحدهما : أنه على حذ مضاف تقديره تَبَيَّنَ أمْرُ الجِنِّ أي ظَهَرَ وبَانَ و " تَبَيَّنَ " يأتي بمعنى " بَانَ " لازماً كقوله : ٤١٢٣ - تَبَيَّنَ لِي أَنَّ القَمَاءَةَ ذِلَّةٌ
وأَنَّ أَعِزَّاء الرِّجَالِ طِيَالُهَا
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٢٠
٣٤


الصفحة التالية
Icon