في ذلك تبكيت لهم وتوبيخ ولا يريد حقيقة التنزيل بل المعنى الذين هم شركاء لله على زعمكم هم ممن إن أريتموهم افتضحتم لأنه خشب وحجر وغير ذلك.
فصل الضمير في " به " أي بالله أي أروني الذين ألحقتم بالله شركاء في العبادة معه هل يخلقون وهل يرزقون ؟ كلاّ لا يَخْلُقُون ولا يرزقون.
قوله :" بل هو الله " في هذا الضمير قولان : أحدهما : أنه ضمير عائد على الله تعالى أي ذلك الذي ألحقتم به شركاء هُو الله، و " الْعَزِيزُ الحَكِيمُ " صفتان.
والثاني : أنه ضمير الأمر والشأن و " اللَّهُ " مبتدأ، و " الْعَزِيزُ والْحَكِيمُ " خبران، والجملة...
خبر " هو " والعزيز هو الغالب على أمره، (و) الحكيمُ في تدبير لخلقه فأنى يكون له شريك في ملكه ؟ قوله :" كافَّةً " فيه أوجه : أحدها : أنه حال من كاف " أَرْسَلْنَاكَ " والمعنى إلا جامعاً للناس في الإبلاغ.
والكافة بمعنى الجامع والهادي لله للمبالغة كَهي في " علاَّمَة " و " رَاوِيَة " قال الزجاج : وهذا بناء منه على أنه اسم فاعل من كَفَّ يَكُفُّ، قال أبو حيان : أما قول الزجاج إنّ كافة بمعنى جامعاً، والهاء فيه للمالبغة فإن اللغة لا تساعده على ذلك لأن كف ليس معناه محفوظاً بمعنى " جَمَعَ " يعني أنَّ المحفوظ معناه " مَنَعَ " يقال : كَفّ يكُفُّ أي منع والمعنى إلا مانعاً لهم من الكفر وأن يشِذّوا من تبليغك، ومنه الكف لأنها تَمْنَعُ مَا فِيهِ.
٦٢
الثاني : أن كافة مصدر جاءت على الفَاعِلَةِ كالعَاقِبَة والعافية وعلى هذا فوقوعها حالاً إما على المبالغة وإما على حذف مضاف أي ذَا كَافَّةٍ لِلنَّاسِ.
الثالث : أن كافة صفة لمصدر محذوف تقديره : إلا إرْسَالَةً كَافَّةً قال الزمخشري : إلاَّ إرْسَالَة عامَّةً لهم محيط بهم لأنهم إذا شَمِلتْهُمْ فقد كفتهم أن يخرج منها أحد منهم.
قال أبو حيان : أما كافة بمعنى عامة فالمنقول عن النحويين أنها لا تكون إلا حالاً ولم يتصرف فيها بغير ذلك فجعلها صفة لمصدر محذوف خروج عما نقلوا، ولا يحفظ أيضاً استعمالها صفةً لموصوفٍ محذوفٍ.
الرابع : أن " كافة " حال من " لِلنَّاس " أي للناس كافةً إلا أنّ هذا قدره الزمخشري فقال :" وَمَنْ جعله حالاً من المجرور متقدماً عليه فقد أخطأ لأن تقدم حال المجرور عليه في الإحالة بمنزلة تقدم المجرور على الجار وكم ترى من يرتكب مثل هذا الخطأ ثم لا يَقْتَنَعُ به حتى يضُمَّ إليه أن يجعل اللام بمعنى " إلَى " ؛ لأنه لا يستوي له الخطأ الأول إلا بالخطأ الثاني فيرتكب الخطأين معاً ".
قال أبو حيان : أما قوله كذا فهو مختلف في ذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز، وذهب أبو علي وابن كَيْسَانَ وابن بَرْهَانَ وابن مَلْكُون إلى جَوَازِهِ قال : وهو الصحيح قال : ومن أمثله أبي علي :" زيدٌ خَيْراً مَا يكونُ خَيْرٌ مِنْكَ " التقدير : زيد خير منك خَيْراً ما يكون فجعل " خَيْراً ما يَكُونُ " حالاً من الكاف في " منك " وقدمها عليها وأنشد : ٤١٣٤ - إذَا الْمَرْءُ أَعَيَتْهُ المُرُوءَةُ نَاشِئاً
فَمَطْلَبُها كَهْلاً عَلَيْهِ شَدِيدُ
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٥٩
٦٣
أي فمطلبها عليه كهلاً، وأنشد أيضاً : ٤١٣٥ - تَسَلَّيْتُ طُراً عَنْكُمُ بُعْدَ بَيْنِكُمْ
بِذِكْرَاكُمْ حَتَّى كَأنَّكُمْ عِنْدِي
أي عَنْكُمْ طُرًّا، وقد جاء تقديم الحال على صاحبها المجرور على ما يتعلق به قال الشاعر : ٤١٣٦ - مَشْغُوفَةً بِكَ قَدْ شُغِفْتُ وإنَّمَا
حُمَّ الفِرَاقُ فَمَا إلَيْكَ سَبِيلُ
أي قد شغفت بكل مشغوفة وقال الآخر : ٤١٣٧ - غَافِلاً تَعْرِضُ المِنَيَّةُ لِلْمَرْءِ
فَيُدْعَى وَلاتَ حِينَ إباءِ
أي تَعْرِضُ المنيةُ للمرء غافلاً قال : وإذا جاز تقديمها على صاحبها وعلى العامل فيه فتقديمها على صاحبها وحده أجْوَز قال : وممن حمله على الحال ابن عطية فإن قال : قدمت للاهتمام والمنقول عن ابن عباس قوله إلى العرب وللعجم ولسائر الأمم وتقديره إلى الناس كافةً وقول الزمخشري : لا يستوي له الخطأ الأول إلى آخره شنيغ لأن القائل بذلك لا يحتاج إلى جعل اللام بمعنى " إلى " لأن " أَرْسَلَ " يتعدى باللام قال تعالى :﴿وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً﴾ [النساء : ٧٩] وأرسل مما يتعدى باللام وبإلى وأيضاً فقد جاءت اللام بمعنى " إلَى " و " إلَى " بمعناها.
قال شهاب الدين : أما أرسلناك للناس فلا دلالة فيه لاحتمال أن تكون اللام لام المجازيَّة وأما كونها بمعنى " إلى " والعكس فالبصريونَ لا يَتَجَوَّزُونَ في الحروف، و " بَشِيراً " و " نَذِيراً " حالان أيضاً.
٦٤


الصفحة التالية
Icon