فيكون جزءاً من ألف قال : وهو الأظهر لأن المراد به المبالغة في التقليل.
فصل المعنى أن هؤلاء المشركين ما بلغوا مِعْشَارَ ما أعطينا الأمم الخالية من النِّعْمَة والقوة وطول العُمْرِ فكذبوا رسلي فكيف كان نكير ؟ أي إنكاري وتغييري عليهم يحذر كفار هذه الأمة عذاب الأمم الماضية وقي : المراد وكذَّب الذين من قبلهم وما بلغوا معشار ما آتيناهم أي الذين من قبلهم ما بلغوا مِعْشَار ما آتينا قوم محمد من البَيَان والبُرْهان وذلك لأن كتاب محمد - عليه السلام - أكملُ من سائر الكتب وأوضح ومحمد - عليه السلام - أفضل من الكتب وبما آتاهم من الرسل أنكر عليهم فكيف لا ينكر عليهم وقد كذبوا بأفصح الرُّسل وأوضح السُّبُل ويؤيد هذا قوله تعالى :﴿وَمَآ آتَيْنَاهُمْ مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا﴾ يعني غير القرآن ما آتيناهم كتاباً " وَمَا أَرْسَلْنَا إلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِير " فلما كان المؤتى في الآية الأولى هو الكتاب فحمل الآية الثانية على إيتاء الكتاب أولى.
قوله :" فكذبوا " فيه وجهان : أحدهما : أنه معطوف على " كَذِّبَ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ ".
والثاني : أنه معطوف على " وما بلغوا " وأوْضَحَهُما الزمخشري فقال :" فإن قلت : ما معنى " فكذبوا رسلي " وهو مستغنى عنه بقوله :﴿وَكَذَّبَ الَّذِين مِنْ قَبْلِهِم﴾ ؟ قلتُ : لما كان معنى قوله :﴿وَكَذَّبَ الِّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ وفعل الذين من قبلهم التكذيب وأقدموا عليه جعل تكذيب الرسل سبباً عنه ونظيره أن يقول القائل : أقْدَمَ فلانٌ على الكفر فكفر بمحمد - ﷺ - ويجوز أن يعطف على قوله :﴿وَمَا بَلَغُوا﴾ كقولك : مَا بَلَغَ زَيْدٌ مِعْشَارَ فَضْلِ عمرو فَيُضِّلَ عليه " و " نَكِيرِ " مضاف لفاعله أي إنْكاري وتقدم حذف يائه وإثْبَاتُها.
٨٢
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٧٨
قوله :﴿قُلْ إنَّما أعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ﴾ أي آمركم وأوصيكم بواحدة أي بخصلة واحدة ثم بين تلك الخصلة فقال :﴿أنْ تَقُومُوا لِلَّهِ﴾ أي لأجل الله.
قوله :" أن تقوموا " فيه أوجه : أحدها : أنها مجرورة المحل بدلاً من " وَاحِدَةٍ " على سبيل البيان.
قاله الفارسي.
الثاني : أنها عطف بيان " لواحدة " قاله الزمخشري.
وهو مردود لتخالفها تعريفاً وتنكيراً، وقد تقدم هذا عند قوله :﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾ [آل عمران : ٩٧].
الثالث : أنها منصوبة بإضمار " أَعْنِي ".
الرابع : أنها مرفوعة على خبر ابتداء مضمر أي هي أن تقوموا، و " مَثْنَى وفُرَادَى " حال وتقدم تحقيق القول في " مثنى " وبابه في سورة النساء، ومضى القول في " فُرَادَى " في الأنعام، ومعنى " مَثْنَى " أي اثنين اثنين، و " فُرَادَى " واحداً واحداً.
ثم قوله :﴿ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾ عطف على " أنْ تَقُومُوا " أي قِيَامكُمْ ثم تَفَكُّركُمْ، والوقف عند أبي حاتم على هذه الآية مث يتبدئ :" مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةِ " وقال مقاتل : تم الكلام (عند) قوله :﴿ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾ أي في خلق السموات والأرض فتعلموا أن خالقهما واحد لا شريك له.
٨٣
قوله :﴿مَا بِصَاحِبكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾ وفي " ما " هذه قولان : احدهما : أنها نافية والثانية : أنها استفهامية لكن لا يراد به حقييقة الاستفهام فيعود إلى النفي.
وإذا كانت نافية فهل هي معلقة أو مستأنفة أو جواب القسم الذي تضمنه معنى " تَتَفَكَّرُوا " لأنه فعل تحقيق كتَبَيَّنَ وبابه ؟ ثلاثة أوجه نَقَل الثَّالِثَ ابنُ عطية.
وربما نسبه لِسِيبويهِ، وإذا كانت استفهامية جاز فيها الوجهان الأولان دون الثالث و " مِنْ جنَّةٍ " يجوز أن يكون فاعلاً بالجار لاعتماده وأن يكون مبتدأ ويجوز في " ما " إذا كانت نافية أن تكون الحجَازيَّة أو التَّمِيميَّة.
قوله :﴿مَثْنَى وَفُرَادَى ﴾ إشارة إلى جمعي الأحوال فإن الإنسان إما أن يكون مع غيره فيدخل في قوله " مَثْنَى " وإن كان وحده دخل في قوله :" فُرَادَى " فكأنه قال : تَقُومُوا لله مجتَمعِينَ ومُنْفَرِدِين لا يمنعكم الجمعيَّةُ من ذكر الله ولا يحوجكم الانفراد يُعينكم على ذكر الله ثم تتفكروا في حال محمد - ﷺ - فتعلموا ما بصاحبكم من " جنة " جنون.
وليس المراد من القيام القيام ضد الجلوس وإنما هو القايم بالأمر الذي هو طلب الحق كقوله :﴿وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ﴾ [النساء : ١٢٧] قال ابن الخطيب وقوله :﴿بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾ يفيد كونه رسولاً وإن كان يظهر من أشياء لا تكون مقدورة للبشر وغير البشر من يظهر منه العجائب إما الجن وإما الملك فإذا لم يكن الصادر من النبي - عليه السلام - بواسطة الجن بل بقدرة الله من غير واسطة وعلى
٨٤


الصفحة التالية
Icon