وهذا مصدر على غير المصدر، و " مِنْ مَكَانٍ " متعلق بالتَّنَاوُشِ.
فصل المعنى كيف لهم تناول ما بعد وهم الإيمان والتوبة وقد كان قريباً في الدنيا فضيّعوه وهذا على قراءة من لم يهمز وأما من همز معناه هذا أيضاً.
وقيل : التناوش بالهمز من النَّيْشِ وهي حركة في إبطاء، يقال : جاء نيْشاً أي مُبْطِئاً متأخراً والمعنى من أي لهم الحركة فيما لا حيلة لهم فيه.
قال ابن عباس : يسألون الرد فيقال : وأنَّى لهم الردُّ إلى الدنيا " من مكان بعيد " أي من الآخرة إلى الدنيا.
قوله :﴿وَقَدْ كَفَرُواْ بِهِ﴾ جملة حالية.
وقوله " به " أي بالقرآن.
وقيل : بالله أو محمد - عليه (الصلاة و) السلام -.
وقيل : بالعذاب أو البعث.
و " من قبل " أي من قبل نزول العذاب.
وقيل : من قبل أن عاينوا أهوال القيامة، ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة والأول أظهر.
قوله :﴿وَيُقْذَفُونَ﴾ يجوز فيها الاستئنافُ والحال، وفيه بعد.
عكس الأول لدخول الواو على مضارع مثبت.
وقرأ أبو حيوة ومجاهد ومحبوب عن أبي عمرو : ويُقْذَفُونَ مبنياً للمفعول أي يُرْجَمُونَ بما يسوؤهُمْ من جزاء أعمالهم من حيث لا يحْتسبون.
٩٣

فصل ويقذفون قال مجاهد : يرمون محمداً ﷺ بالظن لا باليقين وهو قولهم : ساحرٌ وشاعرٌ وكاهنٌ.


ومعنى الغيب هو الظن لأنه غاب علمه عنهم والمكان البعيد بعدهم عن علم ما يقولون والمعنى يَرْمُونَ محمداً بما لا يعلمون من حيث لايعلمون.
وقال قتادة :" أي يرجمون بالظن يقولون لا بعثَ ولا جنةَ ولانَارَ ".
قوله :﴿وَحِيَل﴾ تقدم في الإشمام والكسر أو البقرة.
والقائم مقام الفاعل ضمير المصدر أي وحيل هو أي الحَوْلُ ولا تقدره مصدراً مؤكداً بل مختصاً حتى يصح قيامه، وجعل الحَوْفيُّ القائم مقام الفالع " بينهم " اعترض عليه بأنه كان نيبغي أن يرفع.
وأجيب عنهُ بأنه إنما بني على الفتح لإضافته إلى غير متمكِّن.
ورده أبو حيان بأنه لا يبنى المضاف إلى غير متمكن مطلقاً، فلا يجوز : قاَمَ غُلاَمَكَ ولا مَرَرْتُ بِغُلاَمكَ بالفتح.
قال شهاب الدين : وقد تقدم في قوله :﴿لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام : ٩٤] ما يغني عن إعادة ثم قال أبو حيان : وما يقول قائل ذلك في قول الشاعر : ٤١٤٩ -......................
وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الْعَيْرِ والنَّزَوَانِ
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٨٩
فإنه نصب " بين " مضافة إلى معرب وخُرِّجَ أيضاً على ذلك قول الآخر : ٤١٥٠ - وَقَالَتْ مَتَى يُبْخَلْ عَلَيْكَ وَيُعْتَلَلْ
يَسُؤْكَ (وَ) إنْ يُكْشَفْ غَرَامُكَ تَدْرَبِ
٩٤
أي يتعلل هو أي الاعتلال.
قوله :﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾ يعني الإيمان والتوبة والرجوع إلى الدنيا.
وقيل : نعيم الدنيا وزهرتها، " كَمَا فُعشلَ باَشْيَاعِهِمْ " بنظرائهم ومن كان (على) مث حالهم من الكفار " مِنْ قَبْلُ " لم يقبل منهم الإيمان في وقت اليأس " إنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكِّ " من البعث ونزول العذاب بهم، و " مِنْ قَبْلُ " متعلق " بفُعِلَ " أو " بأَشْيَاعِهِمْ " أي (الذين) شايعوهم قبل ذلك الحين.
قوله :﴿مُرِيب﴾ قد تقدم أنه اسم فاعل من أَراربَ أي أى بالريب أو دخل فيه وأَرَبْتُهُ أوْقَعْتُهُ في الرَّيْبِ.
ونسبة الإرابة إلى الشك مجازاً.
وقال الزمخشري هنا إلا أن ههنا فُرَيْقاً وهو أن المريب من المتعدي منقول من صحاب الشك إلى الشك كما تقول شرع شاعر....
وهي عبارة حسنة مفيدة وأين هذا من قول بعضهم ويجوز أن يكون أردفه على الشك ليناسق آخر الآية بالتي قبلها من مكان قريب.
وقول ابن عطية الشك المريب : أقوى ما يكون من الشك وأشدُّه،
٩٥
وتقدم تحقيق الريب أول البقرة، وتشينع الراغب على من يفسر بالشكّ، والله أعلم.
روى أو أمامة عن أبيّ بن كعب قال : قال رسول الله ﷺ -.
" مَنْ قَرَأَ سُوَرةَ سَبَأٍ لَمْ يَبْقَ نَبِيُّ وَلاَ رَسُولٌ إلاَّ كَانَ لَهُ رفيقاَ وَمُصَافِحاً ".
(صدق نبي الله وحَبِيبُ الله - صلى الله عليه وسلم).
٩٦
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٨٩


الصفحة التالية
Icon