إلا بعلمه} كمال علمه.
ثم بين نفوذ إرادته بقوله :﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ﴾ فبين أنه هو القادرُ العليم المريد والأصنام لا قدرة لها (ولا علم) ولا إرادة فكيف يستحق شيء منها العبادة.
ثم قال :﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ أي الخلق من التراب.
ويحتمل أن يكون المراد إن التعمير والنقصان على الله يسير.
ويحتمل أن يكون المراد : إن العمل بما تحمله الأنثى يسير والكل على الله يسير.
والأول أشبه لأن استعمال اليسير في الفعل أليق.
قوله :﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ﴾ يعني العذب والملح ثم ذكرهما فقال :﴿هَـذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ﴾ طيب " سَائغٌ شَرَابُهُ " جائز في الحلق هنيء " وَهَذا مِلْحٌ أجَاجٌ " شديد الملوحة.
وقال الضحالك : هو المُرُّ.
قوله :﴿سَآئِغٌ شَرَابُهُ﴾ يجوز أن يكون متبدأ وخبراً، والجملة خبر ثانٍ وأن يكون " سائغٌ " خبراً و " شرابه " فاعلاً به لأنه اعتمد وقرأ عيسى - ويوى عن أبي عمرو وعاصم - سَيِّغٌ مثل سيِّد وميِّت وعن عيسى بتخفيف يائه كما يخفف هَيِّن ومَيِّت.
وقرأ طلحة وأبو نُهَيْك ملحٌ بفتح الميم وكسر اللام، فقيل : هو مقصور من مَالِحٍ ومالٍح لغَيَّة شاذة.
قويل : مَلِح بالفَتْح والكسر لُغَةٌ في مِلْحٍ، بالكسر والسكون.
فصل قال أكثر المفسرين : إن المراد من الآية ضرب المثل في حق الكفر والإيمان أو الكافر والمؤمن فالإيمان لا يُشَبَّه بالكفر كما لا يشبه البحر العَذْبُ الفراتُ بالبحر المَلِح الأجاج ثم على هذا فقوله :﴿وَهَـاذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً﴾ فالبيان أن حال الكافر والمؤمن أو الكفر والإيمان دون حال البحرين لأن الأجاجَ يشارك الفُرَاتَ في خير ونفع إذ اللحمُ
١١٥
الطريُّ يوجد فيهما والحِلْية تؤخذ منها والفُلْكُ تجري فيهما ولا نفع في الكفر والكافر.
وهذا على نَسَقِ قوله تعالى :﴿أُوْلَـائِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ [الأعراف : ١٧٩] وقوله :﴿كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَآءُ﴾ [البقرة : ٧٤] قال ابن الخطيب : والأظهر أن المراد من ذكر دليل آخر على قدرة الله تعالى وذلك من حيث إن البحرين يَسْتَوِيَانِ في الصورة ويختلفان في الماء، فإن أحدهما فُراتٌ والآخر مِلْح أُجَاج ولولا ذلك بإيجاب مُوجِب لما اختلفت المستويان ثم إنهما بعد اختلافهما يوجد منهما أمور متشابهة فإن اللحم الطريَّ يوجد فيهما والحِلْية تؤخذ منهما ومن يوجد من المتشابهين اختلافاً ومن المختلفين اشتباهاً لا يكون إلا قادراً مختاراً فقوله :﴿َمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ﴾ إشارة إلى أن عدم استوئهما دليل على كمال قدرته ونفوذ إرادته.
فصل قال أهل اللغة : لا يقال لماء البحر إذا كان فيه مُلُوحَةٌ مالحٌ وإنما يقال له : مِلْح.
وقد يذكر في بعض كتب الفقه يَصِيرُ بها ماءُ البَحْرِ مَالِحاً.
ويؤاخذ قائله (به) وهو أصح مما يذهب إليه القوم وذلك لأن الماء العذب إذا ألقي فيه مِلْح حتى مَلَحَ لا يقالُ له إلا مالح.
وماء مِلْحٌ يقال للماء الذي صار من أصل خِلْقَتِهِ كذلك لأن المَالِحَ شيء فيه مِلْحٌ ظاهر في الذَّوْق والماء الملح ليس ماءً ومِلْحاً بخلاف الطعام المالح فالماء العذب المُلْقَى فيه المِلْح ما فيه ملح ظاهر في الذَّوْق بخلاف (ما هو مِلْحٌ ظاهر في الذَّوْقِ بخلاف) ما هو من أصل خلقته كذلك (فلما) قال الفقيه : الملحُ أجزاء أرضيَّة سَبِخَة يصير بها ماءُ البَحْرِ مالحاً راعى فيه الأصل فإنه جعله ماءً جاوره مِلْحٌ.
وأهل اللغة حيث قالوا في البحر ماؤه مِلْحٌ جعلوه كذلك من أصل الخلقة والأجَاجُ المُرُّ كما تقدم.
قوله :﴿وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً﴾ من الطَّيْر والسَّمَك من العَذْب والملح جميعاً " وتَسَتْخَرِجُونَ حِلْيَةً " يعني من الملح دون العذب " تَلْبَسُونَها " من اللُّؤْلُؤ والمَرجَان.
وقيل : نسب اللؤلؤ إليهما لأنه قد يكون في البحر الأجاج (عيون) عذبة تمتزج بالملح فيكون
١١٦