قوله :﴿ يا أيها النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَآءُ إِلَى اللَّهِ﴾ (أي) إلى فضل الله.
والفقير هو المحتاج " وَاللَّهُ هُوَ الغَنِيُّ " عن خلقه " الحَمِيدُ " أي المحمود في إحسانه إليهم.
واعمل أنه لما كثر الدعاء من النبي - عليه السلام - والإصرار من الكفار قالوا إن اللَّهَ لعله محتاج إلى عبادتنا حتى يأمرنا بها أمراً بالغاً ويهددنا على تركها مبالغاً فقال الله.
﴿أَنتُمُ الْفُقَرَآءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ﴾ فلا يأمركم بالعبادة لاحتياجه إليكم وإنما هو لإشفاقه عليكم.
فصل التعريف في الخبر قليل والأكثر أن يكون الخبر نكرة والمبتدأ معرفة لأن المخبر لا يخبر في الأكثر إلا بأمر يعلمه المخبر أو في ظن المتكلم أن السامع لا علم له به ثم إنَّ المبتدأ لا بدّ وأن يكون معلماً عند السامع حتى يقول له : أيها السامع الأمر الذي تعرفه ثَبَتَ له قيامٌ لا علم عندك به فإن الخبرَ معلوم عند السامع والمبتدأ كذلك ويقع الخبر
١١٩
تنبيهاً لا تفهيماً فإنه يحسن تعريف الخبر كقول القائل :" اللَّهُ رَبُّنَا ومُحَمَّدٌ نَبِيُّنَا " حيث عرف كون الله ربنا وكون محمد نبينا وههنا لما كان الناس فقراء أمراً ظاهراً لا يخفى على أحد قال :" أَنْتُم الفُقراء " وقوله :" إلى الله " إعلام بأنه لا افتقارَ إليه ولا اتِّكال إلا عليه.
وهذا يوجب عبادته لكونه مُفْتَقَراً إليه وعدم عبادة غيره لعدم الافتقار إلى غيره ثم قال :﴿وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ﴾ أي هو مع استغنائه يدعوكم كل الدعاء وأنتم مع احتياجكم لا تجيبونه.
قوله :﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ وهذا بيان لِغناه وفيه بلاغة كاملة لأن قوله تعالى :﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ أي ليس إذهابكم موقوفاً إلا على مشيئته بخلاف الشيء المحتاج إليه فإن المحتاج إلى الشيء لا يقال فيه : إنْ شَاءَ فُلاَنٌ هَدَمَ دَارَهُ وإنما يقال : لَوْلاَ حَاجَةُ السُّكْنَى على الجار لِبعْتُها، ثم إنه تعالى زاد على بيان الاستغناء بقوله :﴿وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ يعني إن كان يتوهم متوهم أنَّ هذا الملك كمال وعظمه فلو أذهبه لزال ملكه وعظمته فهو قادر أن يخلق خلقاً جديداً أحسن من هذا (وأجْمَلَ).
﴿وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ أي الإذهاب والإتيان.
واعمل أن لفظة " العزيز " استعمله الله تارة في القائم بنفسه فقال في حق نفسه :﴿وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً﴾ [الأحزاب : ٢٥] وقال في هذه السورة :" عَزِيزٌ غَفُورٌ " واستعملة تارة في القائم بغيره فقال :﴿وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ وقال :﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾ [التوبة : ١٢٨] فهل هما بمعنى واحد أو بمعنيين ؟ فنقول : العزيز في اللغة هو الغالب والفعل إذا كان لا يطيقه شخصٌ يقال : هو مغلوب بالنسبة إلى ذلك الفعل فقوله :" وما ذلك على الله بعزيز " أي ذلك الفِعل لا يغلبه بل هو هَيِّنٌ على الله وقوله :﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾ [التوبة : ١٢٨] أي يحزنه ويؤذيه كالشُّغْل (الشَّاغِل) الغَالِبِ.
١٢٠
قوله :﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ﴾ أي نَفْسٌ وازة بحذف الموصوف للعمل به.
ومعنى " تَزِرُ " تحمل، أي لا تحمل نَفْسٌ حاملةٌ حِمْلَ نَفْسٍ أخرى.
قوله :﴿وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ﴾ أي نفس مثقلة بالذنبو نفساً إلى حملها فحذف المفعول به للعلم به.
والعامة " لا يُحْمَلُ " مبنياَ للمفعول و " شَيْءٌ " قائم مقام الفاعل، وأبو السَّمَّال وطلحةُ - وتُرْوى عن الكسائي - بفتح التاء من فوق وكسر الميم أسند الفعل إلى ضمر النفس المحذوفة التي هي مفعولة " لِتَدْعُ " أي لا تَحْمِلُ تلك النفسُ الدَّعْوَة (و) شيئاً مفعول " بلاَ تَحْمِلْ ".
قوله :﴿وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾ أي ولو كان المَدْعو ذَا قُرْبَى، وقيل التقدير ولو كان الدَّاعِي ذَا قربى، والمعنيان حَسَنَان، وقرئ :" ذُو " بالرفع على أنها التامة أي ولو حَضَرَ ذُو قُربى نحوك قَدْ كان من مَطَرْ، ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ﴾ [البقرة : ٢٨٠] قال الزمخشري : ونظم الكلام أحسن ملاءمةً للنَّاقِصَةِ لأن المعنى على أن المثقلة إذا دعت أحداً إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان مَدْعُوهَا ذا قربى وهو ملتئم ولو قلت : ولو وُجِدَ ذو قربى لخرج عن التئامه، قال أبو حيان : وهو ملتئم على المعنى الذي ذكرناه قال شهاب الدين : والذي قال هو ولو حضر إذْ ذاكَ ذُو قربى ثم قال : وتفسيره " كان " وهو مبني للفاعل بـ " وُجِدَ " وهو مبني للمفعول تفسير معنى والذي يفسر النَّحْويُّ به كان التامة نحو : حَدَثَ وحَضَرَ ووَقَعَ.

فصل المعنى وإنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ بذنوبها غيرَها إلى حِمْلها أي يَحَمِلُ ما عليه من الذنوب لا


١٢١


الصفحة التالية
Icon