والثاني : أنه معطوف على " بيض ".
الثالث : أنه معطوف على " جدد "، قال الزمخشري : معطوف على بيض (أَ) وعلى " جدد " كأنه قيل : ومن الجبال مُخَطّط ذُو ومنها ما هو على لون واحدٍ.
ثم قال : ولا بد من تقدير حذف مضاف في قوله :" ومن الجبال جدد " بمعنى ومن الجبال ذُو جُدَد بيضٌ وحمرٌ وسودٌ حتى يؤول إلى قول : وَمِنَ الْجِبَالِ مختلف ألوانها " كما قال ﴿ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا﴾ ولم يذكر بعد غرابيب سود (مختلفاً ألوانها) كما ذكر ذلك بعد " بيض وحمر " لأن الغِرْبِيبَ هو البَالِغُ في السواد فصار لوناً واحداً غير متفاوت بخلاف ما تقدم.
وغرابيب : جمع غِرْبيب وهو الأسود المتناهي في السواد.
فهو تابع للأسود كقانٍ وناصع وناضر ويَقَقٍ، فمن ثم زعم بعضهم أنه في نية التأخير ومن مذهب هؤلاء أنه يجوز تقديم الصة على موصوفها وأَنْشَدُوا : ٤١٥٩ - والْمُؤْمِنِ العَائِذَاتِ الطَّيْرِ يَمْسَحُهَا
......................
١٣٠
يريد : والمؤمن الطيْرَ العَائِذَاتِ، وقول الآخر : ٤١٦٠ - وبالطَّوِيل العُمْرِ عُمْراً حَيْدَرَا
........................
يريد : وبالعمر الطويل.
والبصريون لا يرون ذلك ويخرجون هذا وأمثاله على أن الثَّاني بدلٌ من الأول " فسودٌ والطيرُ والعمرُ " أبدالٌ مما قبلها وخرَّجها الزَّمَخْشَريُّ وغيرهُ على أنه حذف الموصوف وقامت صفته مَقَامه وأن المذكور بعد الوصف دال على الموصوف قال الزمخشري : الغِرْبيبُ تأكيد للأسود ومن حق التأكيد أن يتبع المؤكد كقولك أصفرُ فاقعٌ وأبيضُ يَقَق، ووجهه أن يضمر المؤكد قبله فيكون الذي بعده تفسيراً لما أضمر كقوله :" والْمؤْمِن العَائِذَات الطَّير " وإنما يفعل ذلك لزيادة التوكيد حيث يدل على المعنى الواحد من طريقي الإظهار والإضمار، يعني فيكون الأصلُ وسودٌ غرابيبُ سود والمؤمن الطير العائذات الطير.
قال أبو حيان : وهذا لا يصح إلا على مذهب من يُجَوِّز حذفَ المؤكد ومن النحويين من منعه وهو اختيار ابن مالك قال شهاب الدين : ليس هذا هو التوكيد المختلف في حذف مؤكده لأن هذا من باب الصّفة والموصوف ومعنى تسمية الزمخشري لها تأكيداً من حيث إنَّهَا لا تفيد معنى زائداً إنما تفيد المبالغة والتوكيد في ذلك اللون والنحويون قد سموا الوصف إذا لم يفد غير الأول تأكيداً فقالوا وقد يجيء لمجرد التوكيد نحو :﴿نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ [ص : ٢٣] و ﴿إِلـاهَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [النحل : ٥] والتوكيد المختلف في حذف مؤكده إنما هو في باب التوكيد الصَّنَاعِيّ.
ومذهب سيبويه جوازه، أجاز :" مَرَرْتُ بأَخْوَيْك أَنْفُسُهَما " بالنصب والرفع على تقدير أَعْيُنِهِما أنْفُسِهما أو هُمَا أَنْفُسُهُمَا فأين هذا من ذاك إلا أنه يشكل على الزمخشري هذا المذكور بعد " غرابيب " ونحوه بالنسبة إلى أنه جملة مفسراً لذلك المحذوف وهذا إنما
١٣١
عهد في الجمل لا في المفردات إلا في باب البدل وعطف البيان فبأي شيء يسميه ؟ والأولى فيه أن يسمى توكيداً لفظياً إذ الأصل سود غرابيب سود.
قوله :" مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ " " مُخْتَلِف " نعت لمنعوت محذوف هو مبتدأ والجار قبله خبره أي ومِنَ النَّاس صِنْفٌ أو نَوْغٌ مختلف ولذلك عمل اسم الفاعل كقوله : ٤١٦١ - كَناطحٍ صَخْرَةً لِيَفْلِقَهَا
........................
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ١٢٨
وقرأ ابن السَّمَيْقَع ألوانها وهو ظاهر وقرأ الزهري " وَالدَّوَابِ " خفيفة الباء هرباً من التقاء ساكنين كما حرك أولهما في الضّالين وجانَّ.
فصل قال ابن الخطيب في الآية لطائف الأولى : قوله :" أَنْزَلَ " وقال :" أَخْرَجْنَا " وفائدته أن قوله تعالى :﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أنَزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً﴾ فإن كان جاهلاً يقول نزول الماء بالطبع لثقله فيقال له فالإخراج لا يمكنك أن تقول فيه إنه بالطبع فهو بإرادة الله فلما كان ذلك أظهره أسنده إلى المتكلم.
وأيضاً فإن الله تعالى لما قال إن الله أنزل علم الله بالدليل وقرب التفكير فيه إلى الله فصار من الحاضرين فقال : أخْرَجْنَا، لقربه وأيضاً فالإخراج أتم نعمة من الإنزال، لأن الإنزال لفائدة الإخارج فأسْنَدَ (تعالى) الأتمَّ إلى نفسه بصيغة المتلكم وما دونه بصيغة المخاطب الغائب.
الثانية : قال تعالى :﴿وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ﴾ كأَنَّ قائلاً قال : اختلاف الثمرات لاختلاف البقاع ألا ترى أن بعض
١٣٢