عباده العلماء وهذا القراءة شبيهة بقراءة :" وإذا ابْتَلَى إبْرَاهِيمُ رَبَّهُ " برفع إبْرَاهِيمَ ونصب " رَبَّهُ ".

فصل قال ابن عباس : إنما يخافُني مِنْ خَلْقي من عَلِمَ جَبَرُوتِي وعِزَّتِي وسُلْطَاني.


واعلم أنَّ الخشيبة بقدرمعرفة المخشي والعالم يعرف الله فيخافه ويرجوه.
وهذا دليل على أنَّ العالمَ أعلى درجةً من العابد ؛ لقوله تعالى :﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات : ١٣] بين أن الكرامة بقدر التقوى والتقوى بقدر العلم لا بقدر العلم قال - عليه (الصلاة و) السلام - :" وَاللَّهِ إنِّي لأَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَةً " وقال - عليه (الصلاة و) السلام - :" لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً " وقال مسروق : كفى بخشية عِلماً وكفى بالاغترار بالله جهلاً.
ثم قال :﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ أي عزيز في ملكه غفور لذنوب عباده فذكر ما يوجب الخوف والرجاء فكونه عزيزاً يوجب الخوف ورفع الجلالة تقدَّم معناه.
قوله :﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ﴾ في خبر " إن " وجهان : أحدهما : الجملة من قوله :﴿يَرْجُون﴾ أي (إنَّ) التالِينَ يَرْجُونَ و " لَنْ تَبُورَ " صفة " تِجَارةً " و " لِيُوفِّيَهُمْ " متعلق " بِيَرْجُونَ " أوْ " بتَبُور " أو بمحذوف أي فَعَلُوا ذلك لِيَوفِّيَهم، وعلى الوجهين الأولين يجوز أن تكون لام العاقبة.
١٣٥
والثاني : أن الخبر " إنَّه غَفُورٌ شَكُورٌ " (و) جوزه الزمخشري على حذف العائد أي غفور لهم وعلى هذا " فَيرجُونَ " حال من " أنْفَقُوا " أي أنْفَقَوا ذلك راجينَ.
فصل المراد بالذين يتلون كتابا لله أي قراء القرآن لما بين العلماء بالله وخشيتهم وكرامتهم بسبب خشيتهم ذكر العالمين بكتاب الله العاملين بما فيه فقوله :﴿يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ﴾ إشارة إلى الذكر وقوله :﴿وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ﴾ إشارة إلى العل البدنيّ وقوله :﴿وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ إشارة إلى العمل الماليّ.
وفي الآية حكمة بالغة وهي قوله :﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ﴾ إشارة إلى عمل القلب.
وقوله :﴿الَّذِينَ يَتْلُونَ﴾ إشارة إلى عَمَل اللِّسِّانِ وقوله :﴿وَأَقَامُواْ الصَّلاَة﴾ إشارة إلى علم الجوارح.
ثم إن هذه الأشياء الثلاثة متعلقةٌ بجانب تعظيم الله وقوله :﴿وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً﴾ يعني الشفقة على خلقه.
وقوله :﴿سِرّاً وَعَلاَنِيَة﴾ حَثٌّ على الإنفاق كَيْفَما تهيأ فإن تهيأ سراً فذاك وإلاَّ فَعَلاَنِيَة ولا يمنعه ظنه أن يكون رياء فإن ترك الخير مخافة ذلك هو عين الرياء ويمكن أن يكون المرار بالسِّرِّ الصدقة المطلقة وبالعلانية الزكاة فإن الإعلان بالزكاة كالإعلان بالفرض وهو مستحب.
" يرْجُونَ تِجَارةً " هي ما وعد الله من الثواب لَنْ تَبُورَ " لن تفسدّ ولن تَهْلِكَ " لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورهم " جزاء أعمالهم بالثواب " وَيزِيَدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ " قال ابن عباس : يني سوى الثواب ما لم تَرَ عَيْنٌ ولم تسمعْ أذن.
ويحتمل أن يزيدهم النظر إليه كما جاء في تفسير الزيادة " إنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ " قال ابن عباس : يغفر الذنب العظيم من ذنوبهم ويشكر اليَسَير من أعمالهم وقيل : غفور عند الإبطاء شكور عند إعطاء الزيادة.
قوله :﴿وَالَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ﴾ يعني القرآن وقيل : اللَّوح المحفوظ لما بين الأصل (الأول) وهو وجود الله الواحد بالدلائل في قوله :﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ﴾ [الروم : ٤٨] وقوله :﴿واللَّهُ (الذي) خَلَقَكُمْ﴾ وقوله :﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أنَزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً﴾
١٣٦


الصفحة التالية
Icon