قوله :﴿سُنَّةَ آلأَوَّلِين﴾ مصدر مضاف لمفعوله و " وسُنَّةَ اللَّهِ " مصدر مضاف لفاعله لأنه سنَّها بهم فصحت إضافتها إلى الفاعل والمفعول.
وهذا جواب (عن) سؤال وهو أن الإهلاك ليس سنة الأولين إنما هو سنة الله ف الأولين والجواب عن هذا السؤال من وجهين : أحدهما : أن المصدر الذي هو المفعول المطلق يضاف إلى الفاعل والمفعول لتعلقه بهما من وجهٍ دون وجه فيقال فيما إذا ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْراً : عَجِبْتُ مِنْ ضَرْبِ عمرو وكيف ضرب مع ما له من الْقَوم والقُوة ؟ وعجبتُ من ضَرْب عمرو وكيف ضرب مع ماله من العلم والحلم ؟ فكذلك سنة الله بهم أضافها إليهم لأنها (سنة) سنت بهم وإضافتها إلى نفسه بعدها بقوله :﴿فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ﴾ لأنها سنة من الله، فعلى هذا نقول : أضافها في الأول إليهم حيث قال : سنة الأولين، لأن سنة الله الإهلاك بالإشراك والإكرام على الإسلام فلا يعلم أنهم ينتظرون أيتهما فإذا قال : سنة الأولين تميزت وفي الثاني أضافها إلى الله لأنها لما علمت فالإضافة إلى الله تعظيماً وتبين أنها أمر واقعٌ ليس لها من دافع.
وثانيهما : أن المراد من سنة الأولين استمرارهم على الإنكار واستكبارهم عن الإقرار وسنة الله استئصالهم بإصرارهم فكأنه قال : أنتم تريدون الإتيان بسنة الأولين والله يأتي بسنةٍ لا تبديل لها ولا تحويل عن مستحقِّها.
فإن قيل : ما الحكمة في تكرار التبديل والتحويل ؟ فالجواب : أن المراد بقوله :﴿فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾ حصول العلم بأن العذاب لا يبدل بغيره وبقوله :﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً﴾ حصول العلم بأن العذاب مع أنه لا يتبدل بالثواب لا يتحول عن مستحقه إلى غيره فيتم تهديد المُسِيءِ.
فصل المعنى فهل ينتظرون إلا أن ينزل بهم العذاب كما نزر بمن مَضَى من الكفار والمخاطب بقوله :﴿فَلَن تَجِد﴾ عام كأنه قال : لن تجد أيها السامع وقيل : الخطاب مع محمد - عليه (الصلاة و) السلام -.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ١٥٠
قوله :﴿أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ لما ذكر الأولين وسنته في إهلاكهم نبههم بتذكير الأولين فإنهم كانوا يمرون على ديارهم ويرون آثارهم وأملهم كان فوق أملهم وعملهم كان دون عملهم وكانوا اطول أعماراً منهم وأشد اقتداراً ومع هذا لم يكذبوا مِثْلَ محمد وأنتم يا أهْلَ مكة كفرتم محمداً ومَنْ تَقَدَّمَهُ.
قوله :﴿وَكَانُوا ااْ أَشَدّ﴾ جملة في موضع نصب على الحال ونظيرتها في الروم :" كَانُوا " بلا " واو " على أنها مستأنفة فالمَقْصِدانِ مُخْتَلِفَان.
وقال ابن الخطيب : الفرق بينهما أن قول القائل :" أمَا رَأَيْتَ زَيْداً كَيْفَ أَكْرَمَنِي هُو أَعْظَمُ مِنْكَ " يفيد أن القائل يخبره بأن زيداً أعظمُ وإذا قال : مَا رَأَيته كَيْفَ أكْرَمَنِي وهُوَ أَعْظَمُ (مِنْكَ) يفيد أن يقرر أن المعنيين حاصلان عند السامع كأنه رآه أكرمه ورآه أكرم منه (و) لا شك في أن هذه العبارة الأخيرة تفيد كون الأمر الثاني في الظهرو مثل الأول بحيثُ لا يحتاج إلى اعلام من المتكلم ولا إخبار.
وإذا علم هذا فنقول : المذكرو ههنا كونُهم أشدَّ منهم قوة لا غير ولعل ذلك كان ظاهراً عندهم فقال " بالواو " أي نظركم كما يقع على عاقبة أمرهم يقع على قولهم وأما هناك فالمذكور أشياء كثيرة فإنه قال :﴿أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ الأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ﴾ [الروم : ٩] وفي موضع آخر قال :﴿أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا ااْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ﴾ [غافر : ٨٢] ولعل عملهم لم يحصل بإثارتهم في الأرض أو بكثرتهم ولكن نفس القوة ورجحانهم كان معلوماً عندهم فإن كل طائفة تعتقد فيمن تقدمها أنها أَقْوَى منها ولا تنازع فيه.
١٥٩