أنا ولا معرفة لي أظهر من نفسي فيقال : إنَّا نَحْنُ معروفون بأوصاف الكمال، وإذا عرفنا بأنفسنا فلا ينكر قدرتنا على إحياء الموتى.
والثاني : أن الخبر " نُحْيِي " كأنه قال :" إِنَّا نُحِيي المَوْتَى " و " نحن " يكون تأكيداً.
وفي قوله :﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى ﴾ إشارة إلى الوحيد ؛ لأن الإشراك يوجب التمييز، فإن " زيداً " إذا شاركه غيره في الاسم، فلو قال :" أنا زيد " لا يحصل التعريف التام، " لأن " للسامع أن يقول : أيُّمَا زيد ؟ فيقول : ابنُ عمرو، (ولو كان هناك زيدٌ آخرُ أبو عمرو ولا يكفي قوله : ابن عمرو) فلام قال الله :﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى ﴾ أي ليس غيرنا أحد يشركنا حتى يقول : أنا كذا فيمتاز، وحينئذ تصير الأصول الثلاثة مذكورة : الرسالة والتوحيد والحشر.
قوله :﴿وَنَكْتُبُ﴾ العمة على بنائه للفاعل، فيكون " مَا قَدَّمُوا " مفعولاً به و " آثَارهُمْ " عطف عليه وزِرّ ومسروقٌ قَرَآهُ مبنياً للمفعول، و " آثَارُهُم " بالرفع عطفاً على " مَا قَدَّمُوا لِقِيَامِهِ مَقَام الفَاعِل.
فصل المعنى ماقدموا وأخروا، فكتفى بأحدهما، لدلالته على الآخر كقوله تعالى :﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل : ٨١] أي وَالبَرْدَ.
وقيل : المعنى ما أسلفوا من الأعمال صالحةً كانت أو فاسدةً، كقوله تعالى :﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [البقرة : ٩٥]أي بما قدمت في الوجود وأوجدته.
وقيل : نكتب نِيَّاتِهِمْ فإنها قبل الأعمال و " آثَارَهُمْ " أي أعمالهم.
وفي " آثارهم " وجوه : أحدها : ما سنوا من سنة حسنة وسيئة.
فالحسنة كالكتب المصنّفة والقناظر المبنية، والسيئة كالظّلامة المستمرة التي وضعها ظالم والكتب المضلة.
قال - عليه
١٧٨
(الصلاة و) السلام :" مَنْ سَنَّ فِي الإسلام سُنَّةً حَسَنَةً فَعَمِلَ بِهَا مَنْ بَعْدَهُ كَانَ لَهُ أَجْرُهَا ومِثْلُ أَجْر مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْر أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهمْ شَيْئاً، وَمَنْ سَنَّ فِي الإسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً فعَمِلَ بِهَا مَنْ بَعْدَه كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْر أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أوْزَارِهِمْ شَيْئاً " وقيل : نكتب آثارهم أي خُطاهم إلى المسجد لما روي أبو سعيد الخُدْرِي قال : شَكَتْ بنو سلمة بُعْدَ منازِلهم من المسجد فأنزل الله :﴿ونكتُبُ ما قدموا وآثارهم﴾ فقال - عليه (الصلاة و) السلام - :" إنَّ اللَّه يَكْتُبُ خُطَوَاتِكُمْ وَيُثِيبُكُمْ عَلَيْهِ " وقال - عَلَيْهِ (الصَّلاَةُ وَ) السَّلاَمُ - :" أَعْظَمُ النَّاس أَجْراً في الصَّلاَةِ أبْعَدُهُمْ مَمْشًى وَالِّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلاَةً حَتَّى يُصَلِّيهَا مَعَ الإمَام أَعْظَمُ أجْراً في الصَّلاَةِ أبْعَدُهُمْ مَمْشًى وَالِّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ حَتَّى يُصَلِّيهَا مَعَ الإمَام أعْظَمُ الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ " فإن قيل : الكتابة قبل الإحياء فكيف أخر في الذكر حيث قال :( " نُحْي " ) و " نكتُبُ " ولم يقل : نكتب ما قَدَّمُوا وَنُحْيِيهمْ ؟.
فالجواب : أن الكتابة معظمة، لا من الإيحاء، لأن الإحياء إن لم يكن للحاسب لا يعظم، والكتابة في نفسها إن لم تكن إحياءً وإعادة لا يبقى لها أثر أصلاً والإحياء هو المعتبر، والكتابة مؤكدة معظمة لأمره فلهذا قدم الإحياء (و) لأنه تعالى قال :﴿إِنَّا نَحْنُ﴾ وذلك يفيد العظمة والجَبَرُوتَ، والإحياء العظيم يختص بالله، والكتابة دونه تقرير العريق الأمر العظيم وذلك مما يعظم ذلك الأمر العظيم.
قوله :﴿وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ﴾ العامة على نصب " كل " على الاشتغال وأبو السِّمِّال قرأه مرفوعاً بالابتداء والأرجحُ قراءةُ العامة، لعطف جملة الاشتغال على جملة فعليةٍ.
١٧٩