المستديرة التي توضع على رأس العمود، لئِلا يمزق العمود الخيمة وهي صفحة مستديرة.
فإن قيل : فعلى هذا تكون السماء مستديرةً وقد اتفق أكثر المفسرين (على) أنَّ السماءَ مبسوطةٌ لها أطراف على جبال وهي كالسَّقْقِ المُسْتَوِي ويدل عليه قوله تعالى :﴿وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ﴾ [الطور : ٥] قال ابن الخطيب : ليس في النصوص ما يدل دلالة قاطعة على كون السماء مبسوطة غير مستديرة بل دل الدليل الحِسِّيُّ على كونها مستديرةً فوجب المصير إليه والسقف والمقَبَّب لا يخرج عن كونه سقفاً وكذلك كونه على جبال.
وأما الدليل الحسي فوجوه : الأول : أن من أمْعَنَ في النظر في جانب الجنوب تظهر له كواكب مثل سُهَيْل وغيره ظهوراً أبدياً ولو كان السماء سطحاً مستوياً لبان الكُلُّ للكلِّ بخلاف ما إذا كان مستديراً فإن بضعه حينئذ يستتر بأطراف الأرض فلا يُرَى.
الثاني : أن الشمس إذا كانت مقارنة للحَمَل مثلاً فإذا غربت ظهر لك كواكبُ في منطقة البروج من الحَمل إلى المِيزان ثم في كل قليل يستتر الكوكب الذي يكون طلوعه بعدَ طلوع الشمس وبالعكس وهذا دليل ظاهر وإن بحث فيه يصير (قَطْعيًّا).
الثالث : أن الشمس قبل طلوعها وبعد غروبها يظهر ضوؤها ويستنير نورُها وإلا لما كان كذا بل كان (عن) إعادتها إلى السماء يظهر لك أحد جِرْمُها ونورُها معاً لكون السماء مستوية (حنيئذ مكشوفة كلها لكل أحد.
الرابع : لو كانت السماء مستويةً) لكان القمرُ عندما يكون فوق رُؤُوسِنَا على المُسَامَتَةِ أقرب ما يكون إلينا وعندما يكون على الأفق أبعد منا لأن العمودأصغرُ من القُطْرِ والوتر وكذلك في الشمس والكواكب وكان يجب أن يرى أكبر لأن القريب يرى أكبر وليس كذلِكَ.
الخامس : لو كانت السماءُ مستويةً لكان ارتفاعها أَولَ النهار ووَسَطَهُ وآخِرَهُ مستوياً وليس كذلك.
والوجوه كثيرة وفي هذا كفايةٌ.
فصل قال المُنَجِّمُونَ قوله تعالى :﴿يَسْبَحُونَ﴾ يدل على أنها أحياء لأن ذلك لا يطلق إلا
٢٢٣
على العاقل قال ابن الخطيب إن أرادوا القَدْرَ الذي يكون منها التسبيح فنقول به لأن كل شيء يسبح بحمده وإن أرادوا شيئاً آخر فلم يثبت ذلك والاستعمال لا يدل كا في قوله تعالى في حق الأصنام :﴿مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ﴾ [الصفات : ٩٢] وقوله :﴿أَلا تَأْكُلُونَ﴾ [الصافات : ٩١].
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٢١٥
قوله تعالى :﴿وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ لما مَنَّ بإحياء الأرض وهي مكان الحيوانات بين أنه لم يقتصر عليه بل بين للإنسان طريقاً يتخذ من البحر ويسير فيها كما يسير في البر وهو كقوله تعالى :﴿وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [الإسراء : ٧٠] ويؤيد هذا قوله تعالى :﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾ إذا فسرناه بأن المراد منه الإبل فإنها سفُن البرِّ.
ووجه آخر وهو أن الله تعالى لما بين سِبَاحَةَ الكواكب في الأفلاك ذكر ما هو مثله وهو سباحة الفُلْكِ في البحار ووجه آخر وهو أن الأمور التي أنعم الله (تعالى) بها على عباده منها ضرورة ومنها نافعة فالأول للحاجة والثاني للزينة فخلق الله الأرض وإحياؤها من القبيل الأول فإنها المكان الذي لولاه لما وجد الإنسان ولولا إحياؤها لما عاش الإنسان، والليل والنهار في قوله :﴿وَآيَةٌ لَّهُمُ الْلَّيْلُ﴾ [يس : ٣٧] أيضاً من القبيل الأول لأنه الزمان الذي لولاه لما حدث الإنسان والشمسُ والقمرُ وحركتُهُما لو لم تكن لما عاش الإنسان، ثم إنه تعالى لما ذكر من القبيل الأول وآيتين ذكر من القبيل الثاني وهو الزينة آيتين : إحداهما : الفُلْك التي تجري في البحر فتستخرج من البحر ما يُتَزَيَّنُ به كما قال تعالى :﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَـذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وَهَـاذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ﴾ [فاطر : ١٢].
وثانيهما : الدَّوَابُّ التي هي البرّ كالفُلْك في البحر في قوله :﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾ فإن الدوابَّ زينة كما قال تعالى :﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ [النحل : ٨].
قوله :﴿أَنَّا حَمَلْنَا﴾ مبتدأ " وآية " خبر مقدم، وجوز أبو البقاء أن يكون :" أَنَّا حَمَلْنَا " خبر مبتدأ محذوف بناء منه على أن " آية لهم " مبتدأ وخبر كلام مستقل بنفسه كما
٢٢٤