تقدم في نظيره والظاهر أن الضميرين في " لَهُمْ " و " ذُرِّيَّتهم " لشيء واحد ويراد بالذرية آباؤهم المحمولين في سفينة نوح - عليه (الصلاة و) السلام - أو يكون الضميران مختلفين أي ذرية القرون الماضية ووجه الامتنان عليهم أنهم في ذلك مِثْلُ الذرية من حيث إنهم ينتفعون بها كانتفاع أولئلك.
وقوله " مَا يَرْكَبُونَ " هذا يحتمل أن يكون من جنس الفُلْك إِن أريد بالفلك سفينة نوح - عليه (الصلاة و) السلام - خاصة وأن يكون من جنس آخر كالإبل ونحوه ولهذا سمتها العربُ سُفُنّ البرِّ فقوله :" مِنْ مِثْلِهِ " أي من مثل الفلك أو من مثل ما ذكر من خلق الأزواج، (في قوله " وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ " ) والضمير في " لهم " يحتمل أن يكون عائداً إلى الذرية أي حملنا ذريتهم وخَلَقْنَا للمحمولين ما يركبون، ويحتمل أن يعود إلى العباد الذين عاد إليْهِمْ قَوْلُهُ :" وَآيَةٌ لَهُمْ " وهو الظاهر لعود الضمائر إلى شيء واحد و " مِنْ " يحتمل أن تكون صلة أي خلقنا لهم مِثْلَهُ وأن تكون لِلْبَيَانِ لأن المخلوق كان أشياء.
وقال مِنْ مِثْل الفلك للبيان وتقدم اشتقاق الذُّرِّيَّةِ في البقرة، واختلاف القراء فيها في الأعراف.
فصل قال المفسرون : المراد بالذُّرَّيَةِ الآباء والأجداد واسم الذرية يقع على الآباء كما يقع على الأولاد أي حَمَلْنَا آبَاءَكُمْ في الفلك، والألف للتعريف أي فُلْكِ نُوِحِ وهو مذكور في قوله :﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ﴾ [هود : ٣٧] وهو معلوم عند العرب.
وقال الأكثرون : الذرية لا تطلق إلا على الولد وعلى هذا فالمراد إما أن يكون الفلك
٢٢٥
المعين الذي كان لنوح وإما أن يكون المراد الجنس كقوله تعالى :﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ﴾ [الزخرف : ١٢] وقوله :﴿وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ﴾ [فاطر : ١٢] وقوله :﴿فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الْفُلْكِ﴾ [العنكبوت : ٦٥] إلى غير ذلك من استعمال لام التعريف في الفلك لبيان الجنس فإن كان المراد سفينةَ وح ففيه وجوه : الأول : أن المراد : حملنا أولادهم إلى يوم القيامة في ذلك الفلك ولولا ذلك لما بقي للأب نسلٌ ولا عَقِب وعلى هذا فقوله :﴿حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُم﴾ إشارة إلى كمال النعمة أي لم تكن النعمة مقتصرة عليكم بل متعدية إلى أعقابكم إلى يوم القيامة وهذا قول الزمخشري ويحتمل أن يقال : إنه تعالى إنما خص الذريات بالذكر لأن الموجودين كانوا كفاراً لا فائدة في وجودهم فقال :﴿حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُم﴾ أي لم يكن الحَمْلُ حَمْلاً لهم وإنَّما كان حملاً لما في أصلابهم من المؤمنين كمن حمل صُنْدُوقاً لا قيمة له وفيه جَوَاهِرُ (فـ)ـقيل : إنه لم يحمل الصندوق إنما حمل ما فيه.
الثاني : أنّ المُرَادَ بالذُّرِّيَّة الجنس أي حملنا أجناسهم لأن ذلك الحيوانَ من جسنه ونوعه، والذرية تطلق على الجنس ولذلك تطلق على النِّساء كنهي النبي - عليه (الصلاة و) السلام) عن قَتْلِ الذَّرَارِي أي النساء لأنَّ المرأة وإن كانت صِنْفاً غير صِنف الرجل لكنها من جنسه ونوعه يقال : ذَرَاينا أي أمثالنا.
الثالث : أن الضمير في قوله :﴿وَآيَةٌ لَّهُمْ﴾ عائد على العَبِاد، حيث قال :﴿يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ﴾ [يس : ٣٠] وقال بعد ذلك :﴿وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ (وإذا عُلِمَ هذا فكأنه تعالى قال :" وآيةٌ للعبادِ أنا حملنا ذريات العباد ".
ولا يلزم أن يكون المراد بالضمير في الموضعين أشخاصاً مُعَيَّنينَ كقوله :﴿وَلاَ تَقْتُلُوا ااْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء : ٢٩] ﴿وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ [الأنعام : ٦٥] وكذلك
٢٢٦


الصفحة التالية
Icon