فإن قيل : ليس في هذا الموضع وعد فالإشارة بقوله :" هَذَا الوَعْد " إلى أي وعد ؟ فالجواب : هو ما في قوله تعالى :﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ﴾ [يس : ٤٥] من قيام الساعة، أو نقول : هو معلوم وإن لم يكن مذكوراً لكون الأنبياء مقيمين على تذكيرهم بالساعة والحساب والثواب والعقاب.
قوله :﴿مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ قال ابن عباس : ما ينتظرون إلاّ الصيحة المعلومة يريد النفخة الأولى والتنكير للتكثير.
فإن قيل : هم ما كانوا ينتظرون بل كانوا يجزمون بعدمها.
فالجواب : المراد بالانتظار فعلهم لأنهم كانوا يفعلون ما يستحق به فاعله الهوان وتعجيل العذاب وتقريب الساعة لولا حكم الله وعلمه بأنهم لا يفوتونه أو يقال : لما لم يكن قولهم " متى " استفهاماً حقيقياً قال ينتظرون انتظاراً غير حقيقي لأن القائل متى يفهم منه الانتظار نظر لقوله.
فصل ذكر في الصيحة أموراً تدل على عظمتها : أحدها : التنكير وثانيها : قوله " واحدة " أي لا يحتاج معها إلى ثانية.
ثالثها :" تأخذهم " أي تَعْمُّهم بالأَخْذِ وتصلُ إلى مَنْ في الأرض مشارقِهَا ومَغَارِبها.
قوله :﴿وَهُمْ يَخِصِّمُونَ﴾ قرأ حمزة بسكون الخاء وتخفيف الصاد من خَصَم يَخْصِمُ.
والمعنى بخصم بعضهم بعضاً فالمفعول محذوف، وأبو عمرو وقالوا بإخفاء فتحة الخاء، وتشديد الصاد.
ونافع وابن كثير وهشام كذلك إلا أنه بإخلاص فتحة الخاء، والباقون بكسر الخاء وتشديد الصاد والأصل في القراءات الثلالث يَخطْتَصُمُونَ فأدغمت التاء في الصاد.
فنافع وابن كثير وهشام نقولا فتحتها إلى الساكن قبلها نقلاً كاملاً، وأبو عمرو وقالون اختلسا حركتها تنْبِيهاً على أن الخاء أصلها السكون والباقون حذفوا حركتها
٢٣٧
فالتقى ساكنان كذلك فكسر(وا) أولهما.
فهذه أربع قراءات قرئ بها في المشهور، وروي عن أبي عمرو وقالون سكون الخاء وتشديد الصاد فالنحاة يستشكلونها للجمع بين ساكنين على غير حَدِّيْهمَا.
وقرأ جماعة " يخِصِّمُونَ " بكسر الياء والخاء وتشديد الصاد وكسروا الياء إتباعاً وقرأ أبيّ يَخْتَصِمُونَ على الأصل، وقال أبو حيان وروي عنهما - أي عن أبي عمرو وقالون - سكون الخاء، وتخفيف الصاد من خَصَم قال شهاب الدين : هذه هي قراءة حَمْزَةَ ولم يحكِها هو عنه، وهذا يشبه قوله :﴿يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾ [البقرة : ٢٠] في البقرة و " لاَ يَهْدِّي " في يُونُس وقرأ ابن مُحَيْصِن " يرجعون " مبنيٍّا للمفعول.
فصل قال عليه (الصلاة و) السلام :" لَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرجُلاَنِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلاَ يِبِيعانِهِ وَلاَ يَطْوِيَانِهِ وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ الرَّجُلُ أَكْلَتَهُ إلَى فِيهِ فَلاَ يَطْعَمُها ".
قوله :﴿فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً﴾ أي لا يقدرون على الإيصاء قال مقاتل : أي أعجلوا عن الوصية فماتوا " وَ لاَ إلَى أَهْلِهِمْ يرْجِعُونَ " يَنْقَلِبُونَ.
أي أنَّ الساعة لا تُمْهِلْهُم لشيء.
واعلم أن قول القائل : فلان في هذه الحالة لا يوصي دون قوله لايستطيع التوصية لأن ما من لايوصي قد يستطيعها والتوصية بالقول، والقول يوجد أسرع مما يوجد الفعل فقال : لا يتسطيعون كلمة، فكيف الذي يحتاج إلى زمن طويل من أداء الواجبات ورد المظالم ؟ ! واعتبار الوصية من بين سائر الكلمات يدل على أنه لا قدرة له على أهم الكلمات فإن وقت الموت الحاجة إلى الوصية أمسّ.
والتنكير في التوصية للتعميم أي لا
٢٣٨


الصفحة التالية
Icon