أظهرهما : أنه الجار قبلها.
والثاني : أنه " سَلاَم " أي مسلم خالص أو ذو سَلاَمةٍ.
قوله :" سَلاَمٌ " العامة على رفعه وفيه أوجه : أحدها : ما تقدم من كونه خبر " مَا يَدَّعُونَ " الثاني : أنه بدل منها قاله الزمخشري قال أبو حيان : وإذا كان بدلاً كان " مَا يَدَّعُونَ " خصوصاً والظاهر أنه عموم في كل ما يدعونه وإذا كان عموماً لم يكن بدلاً منه.
الثالث : أنه صفةٍ " لِمَا " وهذا إذا جعلتها نكرة موصوفة.
أما إذا جعلتها بمعنى الذي أو مصدرية تعذر ذلك لتخلفهما تعريفاً وتنكيراً.
الرابع : أنه خبر مبتدأ مضمير أي هو سلام.
الخامس : أنه مبتدأ خبره الناصب لِ (ـقوله) " قَوْلاً " أي سَلامَ يُقَالُ لَهُمْ قَوْلاً.
وقيل : تقديره سَلاَمٌ عليكم.
السادس : أنه مبتدأ وخبره " مِنْ ربّ " و " قَوْلاً " مصدر مؤكد لمضمون الجملة وهو مع عامله معترض بين المبتدأ والخبر وقرأ أبيّ وعبدُ الله وعيسى سَلاَماً بالنصب وفيه وجهان : أحدهما : أنه حال، قال الزمخشري : أي لهم مرادهم خالصاً.
والثاني : أنه مصدر (أي) يُسَلمُونَ سَلاَماً إما من التحية وإما من السلامة.
٢٤٧
و " قَوْلاً " إما مصدر مؤكد وإما منصوب على الاختصاص قال الزمخشري : وهو الأوجه و " منْ رَبِّ " إما صفة لـ " قَوْلاً " وإما خبر " سلام " كما تقدم.
وقرأ القُرَظِيُّ " سِلْمٌ " بالكسر السكون، وتقدم الفرق بينهما في البقرة.
فصل إذا قيل : بأن سلام بدل مِنْ " مَا يَدَّعُونَ " فكأنه تعالى قال لهم ما يدعون نبَّه ببدله فقال : لهم سلام فيكون مبتدأ وخبره الجار والمجررو كا يقال :" فِي الدَّارِ رَجُلٌ ولِزَيْدٍ مَالٌ " وإن كان في النحو ليس كذلك بل هو بدل وبدل النكرة م المعرفة جائز، فتكون " ما " بمعنى الذي معرفة، وسلام نكرة.
ويحتمل على هذا أن يقال :" ما " في قوله تعالى :﴿مَّا يَدَّعُونَ﴾ لا موصوفة ولا موصولة بل هي نكرة تقديره لهم شَيْءٌ يَدَّعُونَ، ثم بين بذكر البدل فقال :" سَلاَم " والأول أصحّ.
وإن قيل : سلام خبر " ما " و " لهم " لبيان الجهة فتقديره ما يدعون سلام لهم أي خالص لهم.
والسَّلاَمُ بمعنى السالم والسليم، يقال : عَبْدٌ سَلاَم أي سليمٌ من العيوب كما يقال : لِزَيْدٍ الشَّرَفُ متوفر فالجَارّ والمجرور يكون لبيان من له ذلك، " والشرف " هو المبتدأ " ومتوفر " خبره، وإن قيل :" سلام " منقطع عما قبله وهو مبتدأ وخبره محذوف فتقديره : سَلاَمٌ عَلَيْهِمْ ويكون ذلك إخباراً من الله تعالى في يومنا هذا كأنه تعالى حكى لنا وقال : إنَّ أصحاب الجنة في شغل، ثُمَّ لمَّا بين كمال حالهم قال : سلام عليهم كقوله تعالى :﴿سَلاَمٌ عَلَى نُوحٍ﴾ [الصافات : ٧٩] و ﴿وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ﴾ [الصافات : ٨١] فيكون الله تعالى أحسن إلى عباده المؤمنين كما أحسن إلى عباده المرسلين.
أو يقال تقديره : سلام عليكم ويكون التفاتاً حيث قال لهم كذا وكذا، ثم قال :﴿سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ﴾ [الأنعام : ٥٤]
٢٤٨
فصل إذا قيلَ : إنَّ " قَوْلاً " منصوب على المصدر فتقديره على قولنا إن المراد لهم سلام هو أن يقال لهم سَلاَم يَقُولُهُ اللَّهُ قَوْلاً.
أو تقول الملائكة قَوْلاً، وعلى قولنا ما يدعون سلام لهم فتقديره قال الله ذلك قولاً ووعدهم أن لهم ما يدعون سلامٌ وعداً، وعلى قولنا : سلام عليهم فتقديره أقُولُهُ قَوْلاً، وقوله ﴿مِنْ رَبِّ رَحِيم﴾ يكون لبيان (أن) السلام منه أي سلام عليهم من رب رحيم أقوله قولاً، ويحتمل أن يقال على هذا بأنه تمييز ؛ لأن السلام قد يكون قولاً وقد يكون فِعلاً فإن من يدخل على الملك يطأطئُ رأسه يقال : سلمت على الملك فهو حينئذ كقول القائل : موجودة حُكْماً لا حِس‍ًّا.
فصل روى جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله - ﷺ - :" بَيْنَا أَهْلُ الجَنَّةِ في نَعِيمِهمْ إذْ سَطَعَ لَهُمْ نُورٌ فَرَفَعُوا رُؤوسَهُمْ فَإذَا الرَّبُّ - عَزَّ وَجَلَّ - قَدْ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَوقهِمْ فَقَالَ : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الجَنَّةِ ؛ فَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - :﴿سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ﴾ فَيَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَيَنْظُرُونَ إلَيْهِ فَلاَ يَلْتَفِتُونَ إلى شَيْءٍ من النَّعِيم مَا دَامُوا يَنْظُرُون إليْهِ حَتَّى يَحْتَجب عَنْهُمْ فَيَبْقَى نُورُهُ وبَرَكَتَهُ عَلَيْهِمْ في دِيارهمْ " وقيل : تسلم عليهم الملائكة من ربهم كقوله :﴿وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم﴾ [الرعد : ٢٣ - ٢٤] أي يقولون سلام عليكم يا أهل الجنة من ربكم الرحيم، وقيل : يعطيهم السلامة.
قوله :﴿وامتازوا﴾ عى إضار قول مقابل لما قيل للمؤمنين أي ويقال للمجرمين امتازوا أي انعزلوا من مَازَهُ يَمِيزُهُ.
قال المفسرون : إن المجرم يرى منزلة المؤمن ورفعته (ويرى ذَلَة نفسه)
٢٤٩


الصفحة التالية
Icon