إسْحَاقَ والزّهريّ وابنُ هُرْمُز بضمتين وتشديد اللام والأعمش بكسرتين وتخفيف اللام والأشهب العُقَيْلي واليمانيّ وحماد بن سلمة بكسرة وسكون وهذه لغات في هذه اللفظة وتقدم معناها آخر الشعراء وقرئ جِبَلاً بكسر الجيم وفتح الباء جمع جِبْلَةٍ، كفِطَرٍ جمع فِطرَة وقرأ عَلِيُّ بْنُ أبي طالب بالياء من أسفل (ثنتان) وهي واضحة.
قال ابن الخطيب : الجيم والباء لا تخلو عن معنى الاجتماع (و) الجبل فيه اجتماع الأجسام الكثيرة وجبل الطين فيه اجتماع أجزاء الماء والتراب، وشاة لجباء إذا كانت مجتمعةَ اللبن الكثير، ولا يقال : البلجة نقض على ما ذكرتم فإنها تنبيئ عن التفرق فإن الأبلج خلاف المقرون لأنَّا نقول : هي لاجتماع الأماكن الخالية التي تسع المتمكنات فإن البلجة بمعنى.
والبَلَدُ سمي بَلَداً للاجتماع، لا لتفرق الجمع (العظيم) حتى قيل : ن دون العشر آلاف لا يكون بلداً وإن لم يكن صحيحاً قوله :﴿أَفَلَمْ تَكُونُواْ﴾ قرأ العامة بالخطاب لبني آدم.
وطلحةُ وعيسى بياء الغيبة والضمير للجبل، ومن حقهما أن يقرءا : ا لتي كانوا يوعدون لولا أن يَعْتَذِرُوا بالالْتِفَاتِ.

فصل في كيفية هذا الإضلال وجهان :


٢٥٣
الأول : تولّية عن المقصد وخديعته فالشيطان يأمر البعض بترك عبادة الله وبعبادة غيره فهو تولية فإن لم يقدر يحيد بأمر غير ذلك من رياسة وجاه وغيرهما وهو يفضي إلى التولية لأن مقصوده لو حصل لترك الله وأقبل على ذلك الغير فتحصل التولية.
ثم قال :" أفلم تكونوا تعقلون " ما أتاكم من هلاك الأمم الخالية بطاعة إبليس.
ويقال لهم لما دَنَوْا من النار :﴿هَـاذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ بها في الدنيا " اصْلَوْهَا الْيَوْم " أي ادخلوها اليوم " بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ " وفي هذا الكلام ما يوجب شدة ندامتهم وحزنهم من ثلاثة أوجه : أحدها : قوله تعالى :﴿اصْلَوْهَا الْيَوْمَ﴾ أمر تنكيل وإهانة كقوله :﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان : ٤٩].
الثاني : قوله :" اليوم " يعني العذاب حاضر ولذاتك قد مضت وبقي اليوم العذاب.
الثالث : قوله تعالى :﴿بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ فَإن الكفر والكفاران ينبئ عن نعمة كانت فكفر بها وحياء الكفور من المنعم من أشدّ الآلام كما قيل : أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ لِذَي همَّة حَيَاء المُسِيءِ مِنَ الْمُحْسِنِ.
قوله :﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ﴾ اليوم ظرف لما بعده وفرئ يُخْتِمُ مبنياً للمفعول.
والجار بعده قائم مَقَام فاعله وقرئ :" وَتتكَلَّم " بتاءين من فوق.
وقرئ ولتَتَكَلَّمْ ولتشهدْ بلام الأمر.
وقرأ طلحة ولِتُكَلِّمَنَا ولتَشْهَدَ بلام كي ناصبة للفعل ومتعلقها محذوف أي للتكلم وللشهادة خَتَمْنَا " وبِمَا كَانُوا " أي بالذي كانوا أو بكونهم كاسبين.
٢٥٤
فصل في الترتيب وجهان : الأول : أنهم حين يسمعون قوله تعالى :﴿بِمَا كُنْتُم تَكْفُرُونَ﴾ يريدون ينكرون كفرهم كا قال عنه :" مَا أَشْرَكْنَا " " وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ " فيختم الله على أفواههم فلا يقدرون على الإنكار ويُنْطِقُ الله جوارحهم غير لسانهم فيعترفون بذنوبهم.
الثاني : لما أن قال الله تعالى لهم :﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ﴾ لم يكن لهم جواب فسكتوا وخرسوا تكلمت أعضاؤهم غير اللسان.
وفي الختم على الأفواه وجوه أقواها : أن اللهتعالى يسكت ألسنتهم وينطق جوارحهم فيشهدون عليهم وأه في قدرة الله يسير(و) أما الإسكانُ فلا خفاء فيه وأما الإنطاق فلأن اللسان عضو متحرك بحركة مخصوصة كما جاز تحرك غيره بمثلها والله قادر على كل الممكنات.
والوجه الآخر : أنهم لا يتكلمون بشيء لانقطاع أعذارهم وانتهاك أستارهم فيقفون ناكسي الرُّؤُوس لا يجدون عُذْراً فيَعْتَذِرُونَ ولا مجال توبة فيستغفرون وتكلم الأيدي هو ظهرو الأمور بحيث لا يمع مع الإنكار كقول القائل : الحيطان تبكي على صاحب الدار إشارة إلى ظهور الحزن والصحيح الأول لما ثبت في الصحيح أن الله تعالى يقول للعبد كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً قال : فيمختم على فيه، فيقلا لأركانه انطقي قال : فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعداً لكنَّ وسحقاً فعنكن كنت أناضل وقال عليه (الصلاة و) السلام :" أول ما يسأل من أحدكم فخذه ولفه ".
فإن قيل : ما الحكمة في إسناده الختم إلى نفسه وقال " نختم " وأسند الكلام والشهادة إلى الأرجل والأيدي ؟
٢٥٥


الصفحة التالية
Icon