أو بيتين لأنا نقول : ذلك ليس بشعر لعدم قصده إلى الوزن والقافية وعلى هذا لو صدر من النبي - عليه (الصلاة و) السلام - كلام كثيرٌ موزونٌ مُقَفًّى لا يكون شعراً لعدم قصده اللفظ قصداً أوليّاً، ويؤيد ما ذكرنا أنك إذا تتبعت كلام الناس في الأسواق تجد فيه ما يكون موزوناً واقعاً في بحر من بحور الشعر ولا يسمى المتكلم به شاعراً ولا الكلام شعراً لفقد القصد إلى اللفظ أولاً.
فصل وجه الترتيب ما تقدم من أنه تعالى في كل موضع ذكر أصلين من الأصول الثلاثة وهي الوحدانية والرسالة والحشر ذكر الأصل الثالث منها وههنا ذكر أصلين الوحدانية والحشر.
أما الوحدانية ففي قوله تعالى :﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بنى آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيطَانَ﴾ [يس : ٦٠] وفي قوله :﴿وَأَنِ اعْبُدُونِي هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ [يس : ٦١] وأما الحشر ففي قوله تعالى :﴿اصْلَوْهَا الْيَوْمَ﴾ [يس : ٦٤] وبقوله :" الْيَوْمَ نَخْتِمُ (عَلَى أَفْوَاهِهِمْ) " إلى غير ذلك فلما ذكرهما وبينهما ذكر الأصل الثالث وهو الرسالة فقال :﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ﴾.
فقوله :﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ﴾ إشارة إلى أنه معلم من عند الله فعلمه ما أراد ولم يُعَلِّمْه ما لم يُرِدْ.
فإن قيل : لم خص الشعر بنفي التعليم مع أن الكفار كانوا نيسبون إلى النبي - ﷺ - أشياء من جملتها السحر، والكهانة ولم يقل : وما علمناه السِّحْرَ وما علمناه الكَهَانَةَ ؟ فالجواب : أما الكهانة فكانوا ينسبون النبي - ﷺ - إليها عندما كان خبر عن الغيوب ويكون كما يقول.
وأما السحر فكانوا ينسبونه إليه عندما كان يفعل ما لا يقدر عليه الغَيْر كشقِّ القَمَر، وتكلم الحَجَر، والجِذْع وغير ذلك، وأما الشعر فكانوا ينسبونه إليه عندما كان يتلُون القرآن عليهم لكنه - عليه (الصلاة و) السلام - ما كان يُتَحَدَّى إلى بالقرآن كما قال تعالى :﴿وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ﴾ [البقرة : ٢٣] إلى غير ذلك ولم يقل : إن كنتم في شك من رسالتي فاقطعوا الجذوع أو أَشْبِعُوا الخلق العظيم أو أخبروا الغيوب فلما كان تحديه عليه (الصلاة و) السلام بالكلام وكانوا
٢٦٠
ينسبونه إلى الشعر عند الكلام خص الشعر بنفس التعليم.
قوله :﴿إنْ هُوَ﴾ أي (إن) القرآن، دل عليه السياق أو إن المُعَلّم " إلاَّ ذِكْرٌ " يدل عليه :" وَمَا عَلَّمْنَاهُ " والضمير في قوله " له " للنبي - ﷺ - وقيل : للقرآن.
قوله :﴿إِلاَّ ذِكْرٌ﴾ موعظة ﴿وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ﴾ فيه الفرائض والحدود والأحكام.
قوله :﴿لِّيُنذِرَ﴾ قرأ نافع وابن عامر هنا وفي الأحقاف ﴿لُتْنِذرَ﴾ خطاباً والباقون بالغيبة بخلاف عن البّزِّي في الأحقاف، والغيبة يحتمل أن يكون الضمير فيما للنبي - ﷺ - وأن يكون للقرآن وقرأ الجَحْدَرِيُّ واليَمَانِيُّ " لتُنْذَرَ " مبنياً للمفعول وأبو السَّمَّال واليمانيّ أيضاً - ليَنْذَرَ - بفتح الياء والذّال من نَذِرَ بكسر الذال أي علم فتكون " مَنْ فَاعِلاً.
فصل المعنى لتنذِرَ القرآنَ مَنْ كَانَ حياً يعني مؤمناً حي القلب لأن الكافر كالميتِ في أنه لا يتدبر ولا يتفكر قال تعالى :﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ [الأنعام : ١٢٢] وقيل : من كان حياً أي عاقلاً وذكر الزمخشري في " رَبِيع الأَبْرَارِ " " وَيحِقَّ الْقَوْلُ " ويجب العذاب على الكافر.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٢٥٨


الصفحة التالية
Icon