إلى القطع بالوقوع إلا بأخبار المخبر الصادق فلما قامت المعجزات على صدق محمد - عليه (الصلاة و) السلام - كان واجب الصدق فكان مجرد قوله :" نَعَمْ " دليلاً قاطعاً على الوقوع.
قوله :﴿أَوَ آبَآؤُنَا﴾ قرأ ابنُ عَامر وقالون : بسكون الواو على أنها " أَوْ " العاطفة المقتضية للشك والباقون بفتحها على أنها همزة استفهام دخلت على واو العطف، وهذا الخلاف جار أيضاً في " الواقعة " وتقدم مثل هذا في الأعراق في قوله :﴿أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى ﴾ [الأعراف : ٩٨] فمن فتح الواو أجاز في :" آبَاؤُنَا " وجهين : أحدهما : أن يكون معطوفاً على محل إن واسمها.
والثاني : أن يكون معطوفاً على الضمير المستتر في :" لَمَبْعُوثُونَ " واستغني بالفصل بهمزة الاستفهام، ومن سكنها تعين فيما الأول دون الثاني على قول الجمهور لعدم الفاصل، وقد أَوْضَحَ هذا الزمخشريُّ حيث قال :" أو آباؤنا " معطوف على محل إنَّ واسمها أو على الضمير في :" لَمَبْعُوثُونَ " والذي جوز العطف عليه الفصل بهمزة الاستفهام قال أبو حيان : أما قوله معطوف على محل " إنّ " واسمها فمذهب سيبويه خلافه فإن قولك :" إنَّ زَيْداً قَائِمٌ وعمرو " وعمرو فيه مرفوع بالابتداء وخبره محذوف، وأما قوله : أو على الضمير في لمبعوثون (الخ...
..
فلا يجوز أيضاً ؛ لأن همزة
٢٨٨
الاستفهام لا تدخل إلى على الجمل لا على المفرد ؛ لأنه إذا عطف على المفرد كان الفعل عاملاً في المفرد بواسطة حرف العطف وهمزة الاستفهام لا يعمل ما قبلها فيما بعدها، فقوله :﴿أَوَ آَبَاؤُنَا﴾ مبتدأ محذوف الخبر لما ذكرنا قلت : أما الرد الأول : فلا يلزم لأنه لا يُلْتَزَمُ مذهب سيبويه وأما الثاني : فإن الهمزة مؤكدة للأولى فهي داخلة في الحقيقة على الجملة إلا أنه فصل بين الهمزتين بإنّ واسْمِهَا وخبرها.
ويدل على هذا ما قاله هو في سورة الواقعة فإنه قال : دخلت همزة الاستفهام على حرف العطف، فإن قلت : كيف حسن العطف على المضمر في لمبعوثون) من غير تأكيد بنحن ؟ قلت : حسن للفاصل الذي هو الهمزة كما حسن في قوله :﴿مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا﴾ [الأنعام : ١٤٨] لفصل (لا) المؤكدة للنفي لأن لا مؤكدة للنفي المتقدم بما إلا أن هذا مشكلٌ بأن الحرف إذا كرر للتأكيد لم يُعَدْ في الأمر العام إلا بإعادة ما اتصل به أولاً أو بضميره.
وقد مضى القول فيه وتحصل في رفع " آباؤنا " ثلاثة أوجه : العطف على الابتداء والخبر مضمر والعامل في " إذا " محذوف أي : أَنُبْعَثُ إذَا مِتْنَا هذا غذا جعلتها ظرفاً غير متضمن لمعنى الشرط، فإن جعلتها شرطية كان جوباها عاملاً فيها أي إذا متنا بُعِثْنَا أوْ حُشِرْنَا.
وقرئ " إذَا " دون استفام وقد مضى القول فيه في الرعد.
٢٨٩
قوله :﴿وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ﴾ جملة حالية العامل فيها الجملة القائمة مقامها " نعَمْ " أي تبعثون وأنتم صاغرون أذلاَّء قال أبو حيان : وقرأ ابن وَثّاب " نِعِمْ " بكسر العين تقدم أن الكسائي قرأها كذلك حيث وقَعتْ وكلامه هنا موهم أن ابن وثاب منفردٌ بها.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٢٨٥
قوله :﴿فَإِنَّمَا هِيَ﴾ قال الزمخشري :" فَإنَّما هِيَ " جواب شرط مقدر تقديره إذا كان كذلك فما هي إلا زجره واحدة قال أبو حيان : وكثيراً ما تضمَّن جملة الشرط قبل فاء إذا ساغ تقديره ولا ضرورة تدعو إلى ذلك ولا يحذف الشرط ويبقى جوابه إلا إذا انجزم الفعل في الذي يطلق عليه أنه جواب للأمر والنهي وما ذكر معهما، أمَّا اتبداءً فلا يجوز حذفه.
فصل " هي " ضمير البعثة المدلول عليها بالسِّياق لما كانت بعثتهم ناشئة عن الزجرة جعلت إياها مجازاً، قال الزَّمَخْشَرِيُّ " هي " مبهمة يوضحها خبرها، قال أبو حيان : وكثيراً ما يقول هو ابن مالك : إن الضمير يفسره خبره ووقف أبو حاتم على " يَا وَيْلَنا " وجعل
٢٩٠