للمفعول، ومطلعون على هذه القراءة يحتمل أن يكون قاصراً أي مقبلون من قولك : اطلع علينا فلان أي أقبل، وأن يكون متعدياً ومفعوله محذوف أي أصْحَابَكُمْ وقرأ أبو البَرَهسم وحماد بن أبي عمار : مُطْلِعُونَ خفيفة الطاء مكسورة النون فأُطْلِعَ مبنياً للمفعول، ورد أبو حاتم وغيرُه هذه القراءة من حيث الجمع بين النون وضمير المتكلم إذْ كَانَ قياسها مُطْلِعِيَّ، والأصل مُطْلِعُوي فأبدل فأدغم نحو : جاء مُسْلِمِيَّ القَاطِنُونَ وقوله عليه - (الصلاة و) السلام - " أَوَ مُخْرِجيَّ هُمْ " وقد وجهها ابن جني على أنها أجري فيها اسم الفاعل مُجْرى المضارع يعني في إثبات النون مع الضمير وأنشد الطبري على ذلك : ٤٢٠٧ - وَمَا أَدْرِي وَظَنِّي
كُلَّ ظَنِّي أَمْسْلِمُنِي إلى قَوْمِي شَرَاحِ
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٣٠٥
وإليه نحا الزمخشري قال : أوشبه اسم الفاعل في ذلك بالمضارع لتآخِ بينهما (كأنه) قال يُطْلِعُونَ وهو ضعيف لا يقع إلا في شعر وذكر فيه فيه تَوْجيهاً آخَر فقال : أراد مُطْلعُونِ إياي فوضع المتصل موضع المنفصل كقوله :
٣٠٧
٤٢٠٨ - هُمُ الْفَاعِلُونَ الْخَيْرَ وَالآمِرُونَهُ
........................
ورده أبو حيان بأن هذا ليس من مواضع المنفصل حتى يدعي أن المتصل وقع موقعه لا يجوز :" هِنْدٌ زَيْدٌ ضَارِبٌ إيَّاهَا " ولا " زَيْدٌ ضَارِبٌ إيَّايَ " قال شهاب الدين : وإنما لم يجز ما ذكر لأنه إذا قدر على المتصل لم يُعْدَل إلى المنفصل ولِقَائلٍ أن يقول : لا أسلم أنه يقدر على المتصل حالة ثبوت النون أو التنوين قبل الضمير بل يصير الموضع موضع الضمير المنفصل فيَصحّ ما قالـ(ـه) الزمخشري، وللنحاة في اسم الفاعل المنوّن قبل ياء المتكلم نحو البيت المتقدم وقول الآخر : ٤٢٠٩ - فَهَلْ فَتًى مِنْ سَرَاةِ الْقَوْمِ يَحْمِلُنِي
وَلَيْسَ حَامِلُنِي إلاَّ ابْنُ حَمَّالِ
وقول الآخر : ٤٢١٠ - وَلَيْسَ بمُعْيِيني وَفِي النَّاسِ مُمْنِعٌ
صَدِيقٌ وَقَدْ أَعْيَى عَلَيَّ صَدِيقُ
قولان : أحدهما : أنه تنوين وأنشد شذ ثبوته مع الضمير.
وإن قلنا : إن الضمير بعده في محل نصب.
٣٠٨
والثاني : أنه ليس تنويناً وإنما هو نون وقاية.
واستدل ابن مالك على هذا بقوله : وليس بمعييني، وبقوله أيضاً : ٤٢١١ - وَلَيْسَ الْمُوَافِينِي (وَفِي النَّاسِ مُمْنِعٌ
صَدِيقٌ إذَا أعْيَا عَلَيَّ صديق)
ووجه الدلالة من الأول أنه لو كان تنويناً لكان ينبغي أن يحذف الياء قله لأنه منقوص منون، والمنقوص المنون تحذف ياءؤه رفعاً وجراً لالتقاء الساكنين، ووجهها من الثاني أن الألف واللام لا تجماع التنوين.
والذي يرجح لاقول الأول ثبوت لانون في قوله :﴿وَالآمِرُونَهُ﴾ وفي قول الآخر : ٤٢١٢ - وَلَمْ يَرْتَفِقْ وَالنَّاسُ مُحْتَضِرُونَهُ
جَمِيعاً وَأيْدِي المُعْتَفِينَ رَوَاهِقُه
فإن النون قائمة مقام التنوين تثنية وجمعاً على حدها، وقال أبو البقاء " وتقرأ بكسر النون " وهو بعيد جداً ؛ لأن النون إنْ كانت للوقاية فلا تحلق الأسماء وإن كانت نون الجمع لا تثبت في الإضافة وهذا الترديد صحيح لولا ما تقدم من الجواب عنه مع تكلف فيه وخروج عن القواعد.
(وقُرِئَ مُطّلعون بالتشديد كالعامة فأَطْلُعَ مضارعاً " منصوباً (بإضمار " أَنْ " على
٣٠٩
جواب الاستفهام).
وقرئ مُطْلِعُونَ بالتخفيف فأطْلِعَ فَأطْلِعَ مخففاً ماضياً ومخففاً مضارعاً على ما تقدم يُقالُ : طَلَع عَلَيْنَا فلانٌ وأَطْلَعَ كأَكْرَمَ واطَّلَعَ بالتشديد بمعنى واحد وأما قراءة من بني الفعل للمفعول ففي القائم مقام الفاعل ثلاثة أوجه : أحدهما : أنه مصدر الفعل أي اطَّلَعَ الاطِّلاَع.
الثَّانِي : الجار المقدر.
الثَّالِثُ :- وهو الصحيح - أنه ضمير القائل لأصحابه ما قاله لأنه يقال : طَلَعَ زَيْدٌ وأَطْلَعَهُ غَيْرَهُ فالهمزة فيه للتعدية، وأما الوجهان الأولان فذهب إليهما أبو الفضل الرازي في لَوَامِحِهِ فقال : طلع واطّلع إذا بدا وظهر واطّلع اطّلاعاً إذا جاء وأقبل.
ومعنى ذلك : هل أنت مقبلون فأُقْبِل، وإنما أقيم المصدر فيه مُقَامَ الفاعل بتقدير فاطلع الاطلاع، أو بتقدير حرف الجر المحذوف أي أُطْلِعَ بِهِ لأن أَطْلََ لازم كما أن أقبل كذلك ورد عليه أبو حيان هذين الوجهين فقال قد ذكرنا أن " أطْلَعَ " بالهمزة معدًّى بها من طلع اللازم.
وأما قوله أو حرف الجر المحذوف أي اطلع به فهذا لا يجوز لأن مفعول ما لم يسم فاعله لا يجوز حذفه لأنه نائب عنه فكما أن الفاعل لا يجوز حذفه دون عامله، فكذلك هذا لو قلت :" زَيْدٌ مَمْرُورٌ أو مغْضُوبٌ " تريد " بِهِ " أو " عَلَيْهِ " لم يجز.
قال شهاب الدين : أبو الفضل لا يَدَّعي أن النائب عن الفاعل محذوف وإنما قال : بتقدير حرف الجر المحذوف.
(ومعنى ذلك) أنه لما حذف حرف الجر اتَّسَاعاً انقلب الضمير مرفوعاً فاستتر في الفعل كما يدعى ذلك في حذف عائد الموصول المجرور عند عدم شروط الحذف ويُسَمَّى الحذف على التدريج.
٣١٠